كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

بهواكم وشهوتكم، ليس لكم من الله على صحة تسميتها برهان تتعلقون به. ومعنى {سَمَّيْتُمُوهَا} سميتم بها، يقال: سميته زيدًا، وسميته بزيد. {إن يَتَّبِعُونَ} -وقرئ بالتاء- {إلاَّ الظَّنَّ} إلا توهم أن ما هم عليه حق، وأن آلهتهم شفعاؤهم، وما تشتهيه أنفسهم، ويتركون ما جاءهم من الهدى والدليل على أن دينهم باطل.
[{أَمْ لِلإنسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلَّهِ الآخِرَةُ والأُولَى} 24 - 25].
{أَمْ لِلإنسَانِ مَا تَمَنَّى} هي أم المنقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار، أي: ليس للإنسان ما تمنى، والمراد طمعهم في شفاعة الآلهة، وهو تمن على الله في غاية البعد، وقيل: هو قولهم: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} [فصلت: 50] وقيل: هو قول الوليد بن المغيرة {لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77] وقيل: هو تمني بعضهم أن يكون هو النبي صلى الله عليه وسلم.
{فَلِلَّهِ الآخِرَةُ والأُولَى} أي هو مالكها، فهو يعطي منهما من يشاء ويمنع من يشاء، وليس لأحد أن يتحكم عليه في شيء منهما.
[{وكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلاَّ مِنْ بَعْدِ أَن يَاذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ ويَرْضَى} 26].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خالقًا رازقًا عالمًا مثيبًا ومعاقبًا، وإليه الإشارة بقوله: "سميتموها بهواكم وشهوتكم". وفي "الكبير": وقيل: أي قلتم عزى ولا عزة لها، وقلتم: إنها آلهة، وليست بآلهة.
قوله: (والدليل على أن دينهم باطل) عطف تفسيري على الهدى، وإنما جعله دليلًا وسلطانًا على بطلان دينهم لأنه مجلوب لقوله: {مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [يوسف: 40]. أي: ما لهم من دليل قط، ما يتبعون إلا شهوات الأنفس، والحال أن جاءهم دليل قاطع وسلطان قاهر على بطلان ما هو عليه، فيكون قوله: {ولَقَدْ جَاءَهُم} حالًا مقررة لجهة الإشكال.

الصفحة 96