كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 15)
رحمة الله عليه- أنَّ الله تعالى يُرَى في الآخرة، والعينُ لا تقعُ إلَّا على محدود، والله تعالى لا يُحَد، فقال له المعتصم: ما عندكَ في هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، عندي ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: وما قال؟ قال: حدثنا غُندر، عن شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البَجَلِيّ قال: كنّا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ليلة أربع عشرة من الشهر، فنظر إلى البدر، فقال: "أما إنَّكم سترونَ ربَّكم كما تَرون هذا البدر، لا تُضامُّون في رؤيته (¬1) "، قال المعتصم: ما عندك في هذا؟ قال: أنظرُ في إسناد هذا الحديث، ثم قام ابن أبي دؤاد وخرج، فاستدعى بالمدينيّ -وهو لا يقدرُ على درهم- فأحضَره، فما كلَّمَه بشيء حتَّى وصلَه بعشرة آلاف درهم، وقال: هذه وَصَلَكَ بها أميرُ المؤمنين، وأمرَ أنْ يدفعَ إليك جميعُ ما يُستَحَقُّ من رزقك، وكان فاتَهُ رزقُ سنتين، ثمَّ قال: يا أبا الحسن، حديثُ جرير بن عبد الله في الرؤية؟ قال: نعم، صحيح، قال: فهل عندكَ فيه شيءٌ؟ قال: يعفيني القاضي من هذا، قال: يا أبا الحسن، هو حاجة الدهر، ثمَّ أمرَ له بثيابٍ، ومركبٍ بسَرْجِه ولجامه، وبطيب، ولم يزل به حتى قال: في إسناده من لا يُعتَمد عليه، وهو قيس بنُ أبي حازم، إنَّما كان أعرابيًّا بوَّالًا على عقبيه، فقام إليه فاعتنقه وقبَّل ما بين عينيه، ثمَّ دخل على المعتصم فقال: يا أمير المؤمنين، هذا يحتجُّ في الرؤية بحديث جرير، وإنما يرويه قيسُ بن أبي حازم، وكان أعرابيًّا بوَّالًا على عقبيه، قال الإمام أحمد رحمه الله: فعلمتُ أنَّه من عمل ابن المديني، وكان آكدَ في ضرب الإمام أحمد (¬2).
¬__________
(¬1) أخرجه أحمد في مسنده (19190) وانظر تتمة تخريجه ثمة.
(¬2) تعقب الخطيب البغدادي رحمه الله هذه الرواية في تاريخه 13/ 433 فقال: أما ما حُكي عن عليِّ بن المديني في هذا الخبر من أن قيس بن أبي حازم لا يُعمل على ما يرويه لكونه أعرابيًّا بوَّالًا على عقبيه، فهو باطل، وقد نزَّه الله عليًّا عن قول ذلك، لأن أهل الأثر، وفيهم علي مجمعون على الاحتجاج برواية قيس بن أبي حازم وتصحيحها، إذ كان من كبراء تابعي أهل الكوفة، وليس في التابعين من أدرك العشرة المقدمين وروى عنهم غير قيس، مع روايته عن خلق من الصحابة سوى العشرة، ولم يحك أحدٌ ممن ساق خبر محنة أبي عبد الله أحمد بن حنبل أنه نوظر في حديث الرؤية، فإن كان هذا الخبر المحكي عن ابن فهم محفوظًا، فأحسب أنَّ ابن أبي دؤاد تكلَّم في قيس بن أبي حازم بما ذكر في الخبر وعزا ذلك إلى علي بن المديني، والله أعلم. اهـ. وانظر ما قاله علي بن المديني في "العلل" ص 53 - 54 في ذكر قيس بن أبي حازم، وانظر سير أعلام النبلاء 11/ 53.