كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 15)

يا ابنَ المدينيِّ الذي لاحتْ له ... دنيا (¬1) فجادَ بدينه لينالهَا
ماذا دعاكَ إلى اعتقادِ مقالةٍ ... قد كان عندكَ كافرًا من قالها
أمرٌ بَدَا لك رشدُه فقبلتَه ... أم زهرةُ الدنيا أردتَ نوالها (¬2)
ولقد عَهِدتُكَ لا أبا لي مرَّةً ... صعبَ المقادة للتي تُدْعَى لها (¬3)
إنَّ الحريب لَمَن يُصابُ بدينه ... لا من يُرَزَّى ناقةً وفِصالهَا
فقال ابن أبي دؤاد: قد هجا (¬4) خيارَ الناس، ولا هدمَ الهجو حقًّا، ولا بَنَى باطلًا، وقد قمتَ وقمنَا من حق الله بما يَصغرُ قدرُ الدنيا عند كثير (¬5) ثوابه، ثمَّ أعطاه خمسة الآف درهم وقال: اصرفْها في شأنك.
وقال العباس بن عبد العظيم: دخلتُ على ابن المدينيِّ فرأيتُه مغمومًا، فقلت: ما لك؟ قال: رأيتُ في المنام كأنِّي أخطُبُ على منبر داود - عليه السلام -، فقلت: خيرًا رأيتَ كأنَّك تخطبُ على منبر نبيّ، فقال: لو رأيتُ أنِّي أخطبُ على منبر أيوب كان خيرًا؛ لأن أيوب ابتلي في بدنِه، وداود في دينه، وأخشى أني أفتتن في ديني (¬6).
وكان منه القولُ بخلق القرآن ما كان.
وقال ابن مَعين: كان ابن المدينيّ إذا حضرَ عندنا أظهَر السُّنَّة، وإذا مضى إلى البصرة أظهر التشيُّع (¬7).
وقد روي رجوعه، فحكَى الخطيبُ عنه أنَّه قال: إنما أجبتُ تقيَّةً، وخفت السيف، حُبِستُ في بيتٍ مظلمٍ ثمانيةَ أشهر، وفي رجلي قيدٌ ثمانيةُ أَمْنَاء، حتَّى خفتُ على
¬__________
(¬1) في (خ) و (ف): الدنيا. والمثبت من تاريخ بغداد 13/ 436.
(¬2) في (خ) و (ف): نزالها.
(¬3) في (خ) و (ف): صعب المقالة التي تدعى لها.
(¬4) يعني: ابن الزيات.
(¬5) في (ف) وتاريخ بغداد 13/ 436: كبير.
(¬6) تاريخ بغداد 13/ 431 من رواية أبي عبد الله غلام الخليل. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 11/ 52: غلام خليل غير ثقة.
(¬7) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 11/ 47: كان إظهاره لمناقب الإمام علي بالبصرة؛ لمكان أنهم عثمانية، فيهم انحراف عن علي.

الصفحة 17