كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 15)
[قال ابن عساكر: هو أحدُ الزهَّاد والعبَّاد الأتقياء، وأول من أظهر لسان التوحيد ببغداد]، ولزمَ بيتَه، وانقطعَ عن الناس وأسبابهم (¬1)، [قال: ] وكان الإمام أحمد رحمه الله إذا ذكر سريٌّ يقول: ذاك الشيخُ الَّذي يُعْرَف بطيب الغذاء، وتصفية القوت، وشدَّةِ الورع (¬2).
ذكر طرف من عبادته وزهده وورعه [وخوفه] ونحو ذلك:
[وحكى الخطيب عن الجنيد قال: ] (¬3) ما رأيتُ أعبدَ من سريّ، أتت عليه ثمانٌ وتسعون سنة ما رُئي مُضطجعًا إلَّا فِي علَّة الموت (¬4).
[وحكى الخطيب عن علَّان الخياط قال: ] (¬5) اشترى سَرِيٌّ كُرَّ لوز بستين دينارًا، وكتب فِي روزنامجة (¬6): ربحُه ثلاثةُ دنانير، فصار [الكرّ] يساوي تسعين دينارًا، فجاء الدلَّال يشتريه منه، فقال له سريّ: خذه بثلاثةٍ وستين دينارًا، فقال له الدلَّال: قد بلغَ الكُرُّ تسعين دينارًا، فقال له سري: قد عاهدتُ الله أنِّي أبيعُه بـ[ربح] ثلاثة دنانير، فقال الدلال: وأنا عاهدتُ الله أن لا أغشَّ مسلمًا، فلا سريٌّ باع ولا الدلالُ اشترى (¬7).
وقال أبو الورد: دخلتُ على سريٍّ وبين يديه دَوْرَقٌ مكسور وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ ! أنا أشتري لك عوضَه بدانق، فقال: كيف لا أبكي؟ ! وأنا أعرفُ من عملَه، ومن [أين] (¬8) طينه، والدانقُ الَّذي اشتريَ به، وأيَّ شيءٍ أَكَلَهُ الَّذي عملَه حتَّى فرغَ منه (¬9).
¬__________
(¬1) تاريخ دمشق 7/ 77، 78 (مخطوط).
(¬2) تمام الكلام -كما فِي تاريخ دمشق 7/ 79: قال أبو علي الحسن البزار: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن السريّ بعد قدومه من الثغر، فقال أبو عبد الله: أليس الشيخ الَّذي يعرف بطيب الغذاء؟ قلت: بلى، قال: هو على ستره عندنا قبل أن يخرج، وقد كان السري يكثر من ذكر طيب الغذاء وتصفية القوت وشدة الورع، حتَّى انتشر ذلك عنه، وبلغ ذلك أحمد بن حنبل فقال: للشيخ الَّذي يعرف بطيب الغذاء. اهـ. وانظر صفة الصفوة 2/ 378.
(¬3) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): قال الجنيد.
(¬4) تاريخ بغداد 10/ 266.
(¬5) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال علان الخياط.
(¬6) روزنامجه: مصغر روزنامه؛ الدفتر اليومي للتجار. المعجم الذهبي ص 302.
(¬7) تاريخ بغداد 10/ 263.
(¬8) لفظة "أين" من تاريخ بغداد 10/ 263.
(¬9) من قوله: وقال أبو الورد ... إلى هنا. ليس فِي (ب).