كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 15)
[وحكى الخطيبُ عن سعيد بن عثمان قال: سمعتُ سريًّا يقول: ] (¬1) غزونا بلدَ الروم، فمررتُ بروضةٍ خضراء فيه خُبَازى (¬2) وحجرٌ منقور فيه ماء المطر، فقلت فِي نفسي: لئن كنت أكلتُ حلالًا فاليوم، فنزلتُ عن الدابَّة وسيبتها، وأكلتُ من الخُبَازى، وشربتُ بيدي من الحجر المنقور، فهتفَ بي هاتفٌ: هب أنَّك اليوم أكلتَ حلالًا، فالنفقةُ التي بلَّغتْكَ إلى ها هنا من أين؟ !
[وحكى الخطيب عن الحسن المُسُوحي قال: ] (¬3) دفع إليَّ سريٌّ قطعةً، وقال: اشْتري [لي] بها باقلاء ممَّن قِدْرُه داخل [الدكان أو] الباب، فطفتُ الكَرْخَ كلَّهُ، فلم أجد إلَّا من قِدْره خارج الباب، فرجعتُ إليه فأخبرتُه، وقلت: خذْ قطعتَك، فإني ما وجدتُ إلَّا من قِدْره خارج الباب (¬4).
قال المصنف رحمه الله (¬5): وإنَّما قال سريٌّ ذلك؛ لأنَّ قدورَ أصحاب الباقلَّاء إذا كانت خارجَ الباب كانت فِي طريق المسلمين، فتورَّعَ سريٌّ عن ذلك.
[وحكى الخطيب عن الجنيد قال: ] (¬6) قال سريّ: ما أحبُّ أنْ أموتَ حيث أعرف، أخافُ أن لا تقبلني الأرض، فأفتضح، وإني لأنظرُ إلى أنفي كلَّ يومٍ مرتين مخافةَ أن يكون قد اسودَّ وجهي (¬7).
وقال سريّ: إنِّي لأنظرُ فِي المرآة كلَّ يوم مرارًا؛ مخافةَ أن يكون قد اسودَّ وجهي (¬8) لما أتعاطاه، وأشتهي أن أُدفَن فِي غير بغداد؛ أخافُ أن لا تقبلني الأرضُ، فأفتضح.
[وحكى عنه فِي "المناقب" أنَّه قال: ] (¬9) لي منذ ثلاثين سنة أشتهي أنْ أغمسَ جزرةً
¬__________
(¬1) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال سري - رضي الله عنه -.
(¬2) الخبازى: جنس نبات منه نوعٌ يطهى ورقه فيؤكل. المعجم الوسيط (خبز).
(¬3) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال الحسن التنوخي. (كذا).
(¬4) تاريخ بغداد 10/ 265.
(¬5) فِي (ب): قلت.
(¬6) ما بين حاصرتين من (ب)، وفي (خ) و (ف): وقال الجنيد.
(¬7) حلية الأولياء 10/ 116، ومناقب الأبرار 1/ 150، وصفة الصفوة 2/ 376. ولم أقف عليه فِي تاريخ بغداد.
(¬8) من قوله: وقال سري إني لأنظر ... إلى هنا ليس فِي (ب).
(¬9) ما بين حاصرتين من (ب)، والخبر فِي مناقب الأبرار 1/ 154.