كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 15)

أنَّ الصوفيَّ [هو] الَّذي لا يطفئُ نورُ معرفته نورَ ورعه، ولا يتكلَّم فِي علمٍ باطنٍ ينقضُه عليه ظاهرُ الكتاب، ولا تحملُه الكراماتُ على هتك أستار المحرَّمات (¬1).
[قال: ] وقال لي رجلٌ: ادع لي، [فقال: ] جمعَ الله بيننا تحتَ شجرة طُوبى، فإنَّ أولَ ما يدخلُ المحبُّونَ الجنَّة يستريحونَ تحتها.
[قال: ] وتكلَّمَ يومًا فِي الصبر فدبَّت عقربٌ على رجله، وجعلت تضربُه [مرارًا]، وهو صابرٌ حتَّى سال دمه، فقيل له: لم لا تنحِّيها؟ فقال: إئي أستحي من الله أن أتكلَّم فِي الصبر ولا أصبر (¬2).
[قال: ] وقُرِئ بين يديه: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَينَكَ وَبَينَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45] فقال: هذا حجابُ الغيرة، ومعناه أنَّ الله لم يجعل الكفَّار أهلًا لمعرفته (¬3).
وقال الجنيد: دفعَ إليَّ سريٌّ رقعةً، وقال: هذه خيرٌ لك من الدنيا وما فيها، فقرأتُها وهو يقول: سمعتُ حاديًا يحدو فِي البادية يقول: [من الكامل]
أبكي وما يدريكَ ما يبكيني ... أبكي حذارًا أنْ تفارقينِي
وتقطعي حبلي وتهجريني ... وتجعلين الهجرَ منك دينِي (¬4)
قال: ودفع إليَّ رقعةً أخرى وقال: هذه خيرٌ لك من كذا وكذا، فقرأتُها فإذا فيها: [من الطويل]
ولمَّا ادَّعيتُ الحبَّ قالت كذبتَني ... فما لي أرى الأعضاءَ منك كواسيَا
فلا حبَّ حتَّى يلصقَ الجسمُ (¬5) بالحشا ... وتخرس (¬6) حتَّى ما تجيب المناديَا
وتتلفَ حتَّى لا يُبَقِّي لك الهوى ... سوى مُقلةٍ تبكي بها وتناجيَا
¬__________
(¬1) مناقب الأبرار 1/ 149، وتاريخ دمشق 7/ 92 (مخطوط).
(¬2) مناقب الأبرار 1/ 155، والرسالة القشيرية ص 298.
(¬3) مناقب الأبرار 1/ 156، والرسالة القشيرية ص 396.
(¬4) مناقب الأبرار 1/ 156، والرسالة القشيرية ص 498 دون الشطر الأخير.
(¬5) فِي مناقب الأبرار 1/ 156، والرسالة القشيرية ص 486: القلب، وفي تاريخ دمشق 7/ 92 (مخطوط): الجلد.
(¬6) فِي مناقب الأبرار 1/ 156، والرسالة القشيرية ص 486: وتذبل.

الصفحة 318