كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 15)
وقال سريٌّ: تطربُ قلوب المحبِّين عند السماع، وتخافُ قلوب المقصِّرين، وتلهبُ قلوبُ المشتاقين (¬1).
وقال الجنيد: دخلتُ عليه يومًا وهو ينشد [ويقول: ] [من البسيط]
لا فِي النهار ولا فِي الليل لي فَرَجٌ (¬2) ... فما أبالي أطال الليلُ أم قصرَا
لأنَّني طولَ ليلي هائمٌ دَنِفٌ ... وفي النهارِ أقاسي الهمَّ والفِكرَا
ثم قال: لولا خوفُ الشناعة لصِحتُ، ثم قال: أين شاهد هذا؟ قالوا: لا نعلم، قال: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس عند ربكم ليل ولا نهار" (¬3) فمن كان عند ربِّه فليس فِي ليلٍ ولا نهار.
[قلت: قد فاتَ سريًّا المعنى؛ لأنه من كان عند ربِّه يغيب عن الموجودات، فلا يبقى له رسمٌ، ولا يَعرفُ عكرًا ولا همًّا] (¬4).
وقال: الفوائدُ ترِدُ فِي ظلماتِ الليل. (¬5)
وقال الجنيد: قال لي سريٌّ: ما أرى لي فضلًا على أحد، فقلت: ولا على المخنَّثين؟ فقال: ولا على المخنَّثين (¬6).
[وحكى أيضًا عن الجنيد قال: ] (¬7) كُنْتُ نائمًا عند سريّ، فأيقظني وهو يبكي، فقلت: ما لك؟ فقال: رأيتُ كأنَّ الله تعالى أوقفني بين يديه وقال: يا سريّ، قلت: لبَّيك، فقال: خلقتُ الخلقَ، فكلُّهم ادَّعوا محبتي، وخلقتُ الدُّنيا، فهربَ مني تسعةُ أعشارهم إليها، وبقي معي العشر، وخلقتُ الجنَّة فذهب (¬8) إليها تسعةُ أعشار ذلك العشر، وبقيَ معي عشر العشر، وخلقتُ النَّار فذهب إليها تسعةُ أعشار عشر العشر، [فسلَّطت عليهم البلاء،
¬__________
(¬1) مناقب الأبرار 1/ 162، ومن قوله: وقال الجنيد دفع إلى سري ... إلى هنا. ليس فِي (ب).
(¬2) فِي مناقب الأبرار 1/ 163، والطبقات الكبرى ص 64: فرح.
(¬3) لم أقف عليه مرفوعًا، وأورده ابن القيم فِي عدة الصابرين ص 209 موقوفًا على ابن مسعود - رضي الله عنه -.
(¬4) ما بين حاصرتين من (ب).
(¬5) من قوله: وقال الفوائد ... إلى هنا. ليس فِي (ب).
(¬6) طبقات الصوفية ص 49 - 50.
(¬7) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال الجنيد.
(¬8) فِي (ب): فهرب.