كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 15)
أمر محمدٌ جاريتَه فيوسة (¬1) فغنَّت: [من الطويل]
ولستُ بناسٍ إذ غدَوا فتحمَّلوا ... دُموعي على الخدَّين من شدَّةِ الوجدِ
وقَولي وقد سارت سُحَيرًا حُمُولهم ... بأمِّ الثنايا لا تكن آخرَ العهدِ (¬2)
فبكى ماني بكاءً شديدًا، ثم قال لمحمد: أتأذنُ لي يا سيدي؟ قال: نعم، فأطرقَ ساعةً ثمَّ رفع رأسَه وقال:
وعدتُ أناجي الفكرَ والدمعُ حائرٌ ... بمقلةِ موقوفٍ على الضَّرِّ والجَهْدِ
ولم يعدُ هذا الأمر إلَّا بعزِّهِ ... على ظلامٍ لجَّ في الهجرِ والبعدِ (¬3)
فقال له محمَّد: أحسنتَ يا ماني، أعاشقٌ أنت؟ فخجل وقال: يا سيدي، أبعدَ الشيب صبوة، وإنَّما حرَّك الطربُ وجدًا كامنًا وشوقًا مبرِّحًا، ثم غنَت الجاريةُ شعر أبي العتاهية: [من الخفيف]
حجبوها عن الرياح لأنِّي ... قلتُ للريحِ بلِّغيهَا السلاما
لو رَضُوا بالحجاب هانَ ولكن ... منعوهَا يومَ الرياح الكلاما (¬4)
فقال ماني: ما على قائل هذا الشعر لو زادَ فيه:
فتنفَّستُ ثمَّ قلتُ لقلبي (¬5) ... آهِ إن زار طيفُها إلماما (¬6)
حيِّها بالسلامِ سرًّا وإلَّا ... منعوهَا لشقوتي أنْ تناما
¬__________
(¬1) في الأغاني 23/ 184: مَنُوسة. وفي عقلاء المجانين ص 120: بنُّوسة. وفي مروج الذهب 7/ 387: مؤنسة.
(¬2) رواية البيت كما في الأغاني وعقلاء المجانين والوافي بالوفيات:
وقولي وقد زالت بعيني حمولهم ... بواكر تُحدى لا يكن آخر العهد
(¬3) كذا وقع البيت في (خ) و (ف). وراويته كما في الأغاني 23/ 184، وعقلاء المجانين ص 120، والوافي بالوفيات 4/ 348:
ولم يُعْدني هذا الأمير بعدله ... على ظالمٍ قد لجَّ في الهجر والصدِّ
وهو الصواب.
(¬4) ديوان أبي العتاهية ص 637 (تكملة).
(¬5) في المصادر: لطيفي.
(¬6) رواية الشاطر الثاني كما في مروج الذهب 7/ 381: آه إن زُرْتَ طيفها إلماما، وفي الأغاني 23/ 185: ويك إن زرتَ. . . وفي عقلاء المجانين ص 121، والوافي بالوفيات 4/ 348: ويك لو زرتَ. . .