كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 15)

فقلت له: هل رأيتَ أبا يزيد؟ فقال: لا، فتركتُه أيَّامًا وأعدتُ عليه القول، فقال: لا، فلمَّا أكثرتُ عليه قال: رأيتُ الله، فأغناني عن أبي يزيد، [قال: فكررتُ عليه القول، وهو لا يزيدُ على هذا، فأغضبني، فقلت: ] لو رأيتَ أبا يزيدٍ مرَّةً [كان أنفعَ لك من رؤية الله سبعين مرَّة]، فقال: قم بنا إليه، فخرجنَا نطلُبه، وإذا به قد خرجَ من النهر وفروتُه مقلوبةٌ على كتفه، فلمَّا رآهُ الشاب صاح ومات، فقلت لأبي يزيد: ما هذا، فإنَّه ذَكر أنَّه يَرى الله وما مات، يراك فيموت؟ ! فقال: نعم، كان يرى الله على قدرِ حاله، فلمَّا نظرَ إليَّ رأى الله على قدر حالي، فلم يثبت (¬1) فمات، [قال: ثمَّ واريناه] (¬2) فغسَّلناه وكفَّنَّاه، وصلَّى عليه، ودفنَهُ وبكى (¬3).
[حديث حجِّه وما جرى له:
ذكر ابن خميس في "المناقب" طرفًا من ذلك فقال: ] قال أبو يزيد: حججتُ أوَّل مرَّةٍ فرأيتُ البيتَ ولم أرَ صاحبَ البيت، وحججتُ ثانيًا فرأيتُ صاحبَ البيت ولم أر البيت، وحججتُ ثالثًا فلم أرَ البيت ولا صاحبَ البيت ولا الناس.
[هذا صورةُ ما ذُكر في "المناقب" (¬4)، وذُكِرَ في كتابٍ جمعَهُ عبدُ الحقّ البغدادي الحرميّ تمام الحكاية، فرواه عن أشياخه قالوا: قال أبو يزيد: ] فقلت: من مثلي، وقد وصلتُ إلى هذه الحالة، وعجبتُ، فهتفَ بي هاتفٌ: أعجبت، اذهب فلا حاجةَ لنا فيك، [قال: ] فتِهتُ أيَّامًا في البادية على وجهي، لا آكلُ ولا أشربُ ولا أنام، فمررتُ بديرٍ فيه راهبةٌ، فقلت [لها: ] ها هنا مكانٌ طاهرٌ أصلِّي فيه؟ فقالت: طهِّر قلبَك وصَلِّ حيث شئت [قال: ] فدخلتُ ديرًا، فرأيتُ قومًا يعبدون الصليب، فغرت (¬5) وقلت: ويحكم أتعبدون ما يضرُّ ولا ينفع، وتَدَعُون عبادةَ من ينفعُ ولا يضرّ، فهتفَ بي ذاك الهاتف: نحنُ في غنى عن نصحك، اذهب فلا حاجةَ لنا فيك، فقلت: ما بقيَ بعد هذا حديث، ثم قلت لراهبٍ: ناولني زُنَّارًا، فناولني، فقلت: ما بقيَ غير شدِّ الزُّنَّار،
¬__________
(¬1) في (خ) و (ف): يلبث، والمثبت من (ب).
(¬2) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): ثم قال واره.
(¬3) انظر الخبر بنحوه في إحياء علوم الدين 4/ 356، وقوت القلوب 2/ 70.
(¬4) 1/ 196.
(¬5) في (خ): فعبرت.

الصفحة 441