كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 15)

الخطاب -إن صح ما ذكروا-[عنه في] (¬1) هذا الباب أنَّ للرجل حالين، حال بسطٍ وحال قبض، ففي حالة البسط ينطقُ عن وجده بلسان الفناء [وفي حالةِ القَبْضِ ينطق] (¬2) بما يردُ عليه من الواردات، فيغيبُ عن الموجودات فلا يشاهدُ إلَّا مُوجِدَها، وهذه الأحوالُ ينكرُها من لا يعرفها، ويعرفها من لابَسها:
يَعرِفُهُ (¬3) الباحِثُ من جِنْسِه ... وسائرُ الناسِ له مُنكِرُ
وهذا الرجلُ - رضي الله عنه - كان يغرفُ من بحرٍ عميق لا يزاحمُه فيه غيره، ولا يفهمُه إلَّا من حصلَ له من الذوقِ ما حصل له، ثمَّ إنَّ الأقوال التي نُقِلت عنه من هذا، إن صحَّت عنه، فهي متأوَّلَةٌ (¬4) محتمِلةٌ، والله أعلم (¬5).
وكان في محلَّة أبي يزيد فقيهٌ، فبلغَه عنه ميل، فجاء إليه فقال: يا أبا يزيد، بلغني عنك أعاجيب، قال له: وما لم تسمع من عجائبي أكثر، فقال له الرجل: فعلمك هذا عمَّن أخذته؟ ومن أين؟ فقال أبو يزيد: علمي من عطايا الله تعالى، وعن الله، ومن حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العلمُ علمان، علمٌ ظاهرٌ وعلمٌ باطن، فالظاهرُ حجَّةُ الله على خلقه، والباطنُ هو العلم النافع" (¬6)، و"من عمل بما علِمَ ورَّثه الله علم ما
¬__________
= مجانين، ولو أدركوكم لقالوا: شياطين.
(¬1) في (خ) و (ف) بياض بمقدار كلمتين، وما بين حاصرتين زيادة يقتضيها السياق.
(¬2) في (خ) و (ف) بياض بمقدار كلمتين، وما بين حاصرتين زيادة يقتضيها السياق.
(¬3) في (خ): تعرف.
(¬4) في (ف): تناوله. وهي في (خ) غير منقوطة، ولعلَّ المثبت هو الصواب.
(¬5) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 13/ 88: وجاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها، الشأن في ثبوتها عنه، أو أنَّه قالها في حال الدهشة والسكر، والغيبة والمحو، فيطوى، ولا يحتج بها، إذ ظاهرها إلحاد، مثل: سبحاني، و: ما في الجبة إلا الله. . . اهـ.
وقال أيضًا في تاريخ الإِسلام 6/ 346: وقد نقلوا عنه أشياء من متشابه القول، الشأن في صحتها عنه، ولا تصح عن مسلم، فضلًا عن مثل أبي يزيد، منها: سبحاني. . . . وهذا الشطح إن صحَّ عنه فقد يكون قاله في حالة سكره. . .
(¬6) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (35502 - عوامة)، والحسين المروزي في زياداته على الزهد لابن المبارك (1161)، والدارمي في سننه (365)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1150) عن الحسن مرسلًا.
وصحح إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (139).
وأخرجه الدارمي (364) من قول الحسن.
وأخرجه الخطيب البغدادي 5/ 568، ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (88) عن الحسن عن جابر مرفوعًا. =

الصفحة 443