كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 15)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ" أَيْ أَكْمَلَهُنَّ وَفَرَغَ مِنْهُنَّ. وَقِيلَ. أَحْكَمَهُنَّ كَمَا قال «١»:
وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا ... - دَاوُدُ أَوْ صَنَعَ السَّوَابِغَ تُبَّعُ
" فِي يَوْمَيْنِ" سِوَى الْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي خلق فيها الأرض، فوقع خلق السموات وَالْأَرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ" [الأعراف: ٥٤] عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [الْأَعْرَافِ «٢»] بَيَانُهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَيَوْمٌ مِنَ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، وَقَدَّرَ فيها أقواتها في يومين، وخلق السموات فِي يَوْمَيْنِ، خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ والاثنين، وقدر فيها أقواتها في يومين، وخلق السموات فِي يَوْمَيْنِ، خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الأربعاء، وخلق السموات فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَآخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ فِي عَجَلٍ، وَهِيَ الَّتِي تَقُومُ فِيهَا السَّاعَةُ، وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تَفْزَعُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَّا الْإِنْسَ وَالْجِنَّ. عَلَى هَذَا أَهْلُ التَّفْسِيرِ، إِلَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ، فَقَالَ:" خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ" الْحَدِيثُ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى إِسْنَادِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ (الْأَنْعَامِ) «٣»." وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها" قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: خَلَقَ فِيهَا شَمْسَهَا وَقَمَرَهَا وَنُجُومَهَا وَأَفْلَاكَهَا، وَخَلَقَ فِي كُلِّ سَمَاءٍ خَلْقَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ الَّذِي فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ وَجِبَالِ الْبَرَدِ وَالثُّلُوجِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَلِلَّهِ فِي كُلِّ سَمَاءٍ بَيْتٌ تَحُجُّ إِلَيْهِ وَتَطُوفُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ بِحِذَاءِ الْكَعْبَةِ، وَالَّذِي فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا هُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ. وَقِيلَ: أَوْحَى اللَّهُ فِي كُلِّ سَمَاءٍ، أَيْ أَوْحَى فِيهَا مَا أَرَادَهُ وَمَا أَمَرَ بِهِ فِيهَا. وَالْإِيحَاءُ قَدْ يَكُونُ أَمْرًا، لِقَوْلِهِ:" بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها" [الزلزلة: ٥] وقوله:" وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ" [المائدة: ١١١] أي أمرتهم وهو أمر تكوين." وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ" أَيْ بِكَوَاكِبَ تُضِيءُ وَقِيلَ: إِنَّ فِي كُلِّ سَمَاءٍ كَوَاكِبَ تُضِيءُ. وَقِيلَ: بَلِ الْكَوَاكِبُ مُخْتَصَّةٌ بِالسَّمَاءِ الدُّنْيَا." وَحِفْظاً" أَيْ وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا، أَيْ مِنَ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يسترقون السمع. وهذا
---------------
(١). هو أبو ذؤيب الهذلي. والصنع بفتحتين الحاذق. [ ..... ]
(٢). راجع ج ٧ ص ٢١٩ طبعه أولى أو ثانية.
(٣). راجع ج ٦ ص ٣٨٤ طبعه أولى أو ثانية.

الصفحة 345