كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 15)

يَا رَجُلُ فَالْأَوْلَى بِهَا الضَّمُّ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ"" يس" وَقْفٌ حَسَنٌ لِمَنْ قَالَ هُوَ افْتِتَاحٌ لِلسُّورَةِ. وَمَنْ قَالَ: مَعْنَى" يس" يَا رَجُلُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عباس مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مَعْنَاهُ يَا إِنْسَانُ، وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ" [الصافات: ١٣٠] أَيْ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَلِيلُهُ" إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ". قَالَ السَّيِّدُ الْحِمْيَرِيُّ:
يَا نَفْسُ لَا تَمْحَضِي بالنصح جاهدة ... وعلى الْمَوَدَّةِ إِلَّا آلَ يَاسِينَ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: مَعْنَاهُ يَا سَيِّدَ الْبَشَرِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، قَالَ مَالِكٌ. رَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ قَالَ: سَأَلْتُهُ هَلْ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَسَمَّى بِيَاسِينَ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ يَنْبَغِي لِقَوْلِ اللَّهِ:" يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" يَقُولُ هَذَا اسْمِي يس. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ هَذَا كَلَامٌ بَدِيعٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَسَمَّى بِاسْمِ الرَّبِّ إِذَا كَانَ فِيهِ مَعْنًى مِنْهُ، كَقَوْلِهِ: عَالِمٌ وَقَادِرٌ وَمُرِيدٌ وَمُتَكَلِّمٌ. وَإِنَّمَا منع مالك من بالتسمية" يسئن"، لِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ، فَرُبَّمَا كَانَ مَعْنَاهُ يَنْفَرِدُ بِهِ الرَّبُّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ. فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ" [الصافات: ١٣٠] «١» قُلْنَا: ذَلِكَ مَكْتُوبٌ بِهِجَاءٍ فَتَجُوزُ التَّسْمِيَةُ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي لَيْسَ بِمُتَهَجًّى هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَالِكٌ عَلَيْهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشْكَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: افْتَتَحَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ بِالْيَاءِ وَالسِّينِ وَفِيهِمَا مَجْمَعُ الْخَيْرِ: وَدَلَّ الْمُفْتَتَحُ عَلَى أَنَّهُ قَلْبٌ، وَالْقَلْبُ أَمِيرٌ عَلَى الْجَسَدِ، وَكَذَلِكَ" يَس" أَمِيرٌ عَلَى سَائِرِ السُّوَرِ، مُشْتَمِلٌ عَلَى جَمِيعِ الْقُرْآنِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ: هُوَ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ بِلُغَةِ طَيٍّ. الْحَسَنُ: بِلُغَةِ كَلْبٍ. الْكَلْبِيُّ: هُوَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَتَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ فَصَارَ مِنْ لُغَتِهِمْ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي [طه] وَفِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ مُسْتَوْفًى. وَقَدْ سَرَدَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَى" يس" فَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِي عِنْدَ رَبِّي عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ" ذَكَرَ أَنَّ مِنْهَا طَه وَيس اسْمَانِ لَهُ.
---------------
(١). راجع ج ١١ ص ١٦٥ وما بعدها طبعه أولى أو ثانية. وج ١ ص ٦٧ وما بعدها طبعه ثانية.

الصفحة 4