كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 15)

وَاحِدَةً" وَالزَّقْيَةُ
الصَّيْحَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا." فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ" فَإِذَا هُمْ" مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ" جَمِيعٌ" نَكِرَةٌ، وَ" مُحْضَرُونَ" مِنْ صِفَتِهِ. وَمَعْنَى" مُحْضَرُونَ" مَجْمُوعُونَ أُحْضِرُوا مَوْقِفَ الْحِسَابِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ:" وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ" [النحل: ٧٧]. قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً" أَيْ لَا تُنْقَصُ مِنْ ثَوَابِ عَمَلٍ." وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"" مِمَّا" فِي مَحَلِّ نَصْبٍ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَالثَّانِي بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ تَقْدِيرُهُ: إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تعملون، أي تعملونه فحذف.

[سورة يس (٣٦): الآيات ٥٥ الى ٥٩]
إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ" قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٍ: شَغَلَهُمُ افْتِضَاضُ الْعَذَارَى. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي كِتَابِ مُشْكِلِ الْقُرْآنِ لَهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ" إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ" قَالَ: شُغُلُهُمُ افْتِضَاضُ الْعَذَارَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ نَهْشَلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: بَيْنَمَا الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَعَ أَهْلِهِ إِذْ قِيلَ لَهُ تَحَوَّلْ إِلَى أَهْلِكَ فَيَقُولُ أَنَا مَعَ أَهْلِي مَشْغُولٌ، فَيُقَالُ تَحَوَّلْ أَيْضًا إِلَى أَهْلِكَ. وَقِيلَ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ فِي شُغُلٍ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ اللَّذَّاتِ وَالنَّعِيمِ عَنْ الِاهْتِمَامِ بِأَهْلِ الْمَعَاصِي وَمَصِيرِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَمَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَلِيمِ الْعَذَابِ، وَإِنْ كان فيهم أقرباؤهم وأهلوهم، قال سعيد بن المسيب وغير هـ. وَقَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي فِي السَّمَاعِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:" فِي شُغُلٍ" أَيْ فِي زِيَارَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَقِيلَ: فِي ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَرُوِيَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ عِبَادِيَ الَّذِينَ

الصفحة 43