كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 15)

لِبَلَائِهِمْ." ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ" قِيلَ: إِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا حِينَ أَكَلُوا الزَّقُّومَ فِي عَذَابٍ غَيْرِ النَّارِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَيْهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْحَمِيمُ خَارِجُ الْجَحِيمِ فَهُمْ يُورَدُونَ الْحَمِيمَ لِشُرْبِهِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى الْجَحِيمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ. يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ" [الرحمن: ٤٤ - ٤٣]. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ:" ثُمَّ إِنَّ مُنْقَلَبَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ" قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ" ثُمَّ" بِمَعْنَى الْوَاوِ. الْقُشَيْرِيُّ: وَلَعَلَّ الْحَمِيمَ فِي موضع من جهنم على طرف منها.

[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٦٩ الى ٧٤]
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)
إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ" أَيْ صَادَفُوهُمْ كَذَلِكَ فَاقْتَدَوْا بِهِمْ." فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ" أَيْ يُسْرِعُونَ، عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ. قال قَالَ الْفَرَّاءُ: الْإِهْرَاعُ الْإِسْرَاعُ بِرَعْدَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:" يُهْرَعُونَ" يَسْتَحِثُّونَ مَنْ خَلْفَهُمْ. وَنَحْوَهُ قَوْلُ الْمُبَرِّدِ. قَالَ: الْمُهْرِعُ الْمُسْتَحِثُّ، يُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ يهر ع إِلَى النَّارِ إِذَا اسْتَحَثَّهُ الْبَرْدُ إِلَيْهَا. وَقِيلَ: يزعجون من شدة الإسراع، قال الْفَضْلُ. الزَّجَّاجُ: يُقَالُ هُرِعَ وَأُهْرِعَ إِذَا اسْتُحِثَّ وَأُزْعِجَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ" أَيْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ." وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ" أَيْ رُسُلًا أَنْذَرُوهُمُ الْعَذَابَ فَكَفَرُوا." فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ" أَيْ آخِرُ أَمْرِهِمْ." إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ" أَيِ الَّذِينَ اسْتَخْلَصَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكُفْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ «١». ثُمَّ قِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ" الْمُنْذَرِينَ". وَقِيلَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ".
---------------
(١). راجع ج ١ پ ص ٢٨ طبعه أولى أو ثانيه.

الصفحة 88