كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 15)

جابر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا لعن آخر هذِه الأمة أولها فمن كتم حديثًا فقد كتم ما أنزل الله" (¬1) وفيه انقطاع.
وحمله سحنون المالكي على كتمان الشهادة التي يحملها، قال ابن العربي: والصحيح خلافه؛ لأن لفظ الحديث: "من سئل عن علم" ولم يقل: عن شهادة. والعمل على بقاء الحديث على ظاهره حتى يأتي مخصص له كما سيأتي، فما كان من العلوم غير نافع في الدين جاز كتمه، لا سيما إن كان مع ذلك خوف، فإن ذلك آكد في الكتمان، فقد كتم أبو هريرة راوي الحديث حين خاف فقال: حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. أخرجه البخاري (¬2). قال العلماء: وهذا الذي لم يبثثه وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو فيما يتعلق بأمر الفتن، والنص على أعيان المرتدين والمنافقين، ونحو ذلك.
وقد استدل بهذا الحديث والآية التي قال أبو هريرة عنها: لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم. وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} (¬3) على وجوب تبليغ العلم وإظهاره للانتفاع به، ودل
¬__________
= وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة" (210).
(¬1) رواه ابن ماجة (263)، قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 39: هذا إسناد فيه الحسين بن أبي السري كذاب، وعبد الله بن السري ضعيف، وذكر المزي في "الأطراف" 2/ 368 أن عبد الله بن السري لم يدرك محمد بن زكريا عن عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زاذان عن محمد بن المنكدر.
(¬2) "صحيح البخاري" (120).
(¬3) البقرة: 159.

الصفحة 106