كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 15)

(ولك كذا وكذا) فيه دليل لأحد قولي الشافعي أن الهبة إذا شرط فيها ثوابا معلوما صح، سواء كان الشرط من الواهب أو من الموهوب له، كما في الحديث. ويدل على صحته أنه تمليك بعوض معلوم، فهو كالبيع، وحكمها حكم البيع في ضمان الدرك، وثبوت الخيار والشفعة (¬1). وبهذا قال أصحاب الرأي وأحمد (¬2).
(أمرًا) بسكون الميم والتنوين، هذا من كلام الراوي، ولعله من كلام أبي جعفر، ذكره بعد أن ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (هبه) وهبه أمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهبة (رغبه) بتشديد الغين المعجمة، وضم الاسم الذي هو هاء الضمير، يكون إنما قال ذلك ليرجعه عن الإضرار (فيه) أي: رغبه في هذِه الهبة بزيادة الأجر عند الله تعالى، أو بزيادة من المال على قيمتها يرغب في ذلك ويزول الضرر (فأبى) أن يقبل (فقال) له: (أنت مضار) بتشديد الراء. أي: مضارر له في ذلك (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ) عند ذلك على سبيل التهديد (اذهب فاقطع نخله) وفيه من العلم أنه أمره أولًا بإزالة الضرر ببيع أو مناقلة أو هبة، فلما لم يقبل قال له ذلك على سبيل التهديد، ليردعه به ويزجره عن الإضرار المنهي عنه تهويلا لأمره، ألا ترى أنك إذا رأيت الرجل في فعل وأنت ترى أنه خطأ منهي عنه؛ لما فيه من الضرر، فتبالغ في نصحه بتركه، فإذا لم تر منه إلا الإباء والتصميم جردت عليه، قلت: أنت وشأنك، فافعل ما شئت. فلا تريد بهذا حقيقة الأمر، كيف وقد نهيت عنه، فكأنك
¬__________
(¬1) "الأم" 4/ 439، 515، وانظر: "الحاوي" 7/ 232.
(¬2) انظر: "المبسوط" 12/ 75، "مسائل أحمد" للكوسج 2/ 441 (3027).

الصفحة 50