كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 15)

فيشتغل بذلك عن النفع العظيم، فلقد أحسن القائل:
إذا لم تكن حافظا واعيا ... فجمعك للكتْب لا ينفع (¬1)
(فنهتني) جماعة من (قريش وقالوا: تكتب كل شيء) تسمعه (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: يعتريه ما يعتري غيره من الغضب والسهو (بشر) ولمسلم: "إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر" (¬2) وتغير الفكر وغير ذلك من الأحوال البشرية وهو يتكلم في حال الغضب والرضا، فلا يكتب عنه في كل أحواله ولا كل ما يقوله.
(فأمسكت عن الكتاب) يعني: الكتابة حتى أذكر ذلك له، وأعمل بما يقوله (فذكرت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذِه الرواية الصحيحة، تعدي (ذكرت) ب (إلى) ويجوز أن تكون (إلى) بمعنى اللام كقوله تعالى: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ} (¬3) ويكون التقدير: ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في بعض النسخ.
(فأومأ) بهمزة آخره (بإصبعه إلى فيه) فيه جواز اعتماد الإشارة المفهمة والعمل بها في مثل هذا، وفيه أن المستمع من الشيخ ليأخذ عنه ينظر إلى فيه حين يتكلم ليستمع كلامه، وينظر كيف يتلفظ بالكلمة ويخرجها ليكون أبلغ من استماعه مطرقا (فقال: اكتب فوالذي نفسي
¬__________
(¬1) رواه الخطيب بإسناده في "الجامع لأخلاق الراوي" 5/ 32، 33 عن محمد بن يسير.
(¬2) "صحيح مسلم" (2603).
(¬3) النمل: 33.

الصفحة 80