كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 15)

ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال الخلاف، ويدل على الجواز قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اكتبوا لأبي شاه" (¬1) يعني: خطبته - صلى الله عليه وسلم -، وقوله في الحديث الذي قبله: فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اكتب وما يخرج منه إلا حق" (¬2) وفي "صحيح البخاري" عن أبي هريرة قال: ليس أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر حديثًا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب (¬3).
وقد اختلف في الجواب عن حديث أبي سعيد والجمع بينه وبين أحاديث الإذن في الكتابة، فقيل: إن النهي منسوخ بأحاديث الإذن، وكان النهي في أول الأمر لخوف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن فيه، وجمع بعضهم بينهما بأن النهي في حق من وثق بحفظه وخيف اتكاله على خطه إذا كتب، والإذن في حق من لا يوثق بحفظه كأبي شاه.
وقد كان بعضهم يكتب، فإذا حفظ محا، فجمع بين الحديثين، وحمل بعضهم النهي على كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة؛ لأنهم كانوا يسمعون تأويل الآية، فربما كتبوه معه، فنهوا عن ذلك لئلا يختلط به، فيشتبه على القارئ.
(فمحاه) معاوية -رضي الله عنه- حين سمع الحديث، يقال: محوت الكتاب ومحيته محيا.
* * *
¬__________
(¬1) تقدم برقم (2017) من حديث أبي هريرة.
(¬2) تقدم برقم (3646).
(¬3) "صحيح البخاري" (113).

الصفحة 83