كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 15)

وقرىء بالجزم عطفاً على نهلك، قال شهاب الدين على جعل الفعل معطوفاً على مجموع الجملة من قوله ألم نهلك، والمراد بالآخرين حينئذ قوم شعيب ولوط وموسى، وبالأولين قوم نوح وعاد وثمود.
(كذلك نفعل بالمجرمين) أي مثل ذلك الفعل الفظيع نفعل بهم، يريد من يهلكه فيما بعد، والكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك الإهلاك نفعل بكل مشرك إما في الدنيا أو في الآخرة.
(ويل يومئذ للمكذبين) أي ويل يوم ذلك الإهلاك للمكذبين بكتب الله ورسله، قيل والويل الأول لعذاب الآخرة وهذا لعذاب الدنيا، والتكرير للتوكيد شائع في كلام العرب.
(ألم نخلقكم من ماء مهين) أي ضعيف حقير قذر منتن ذليل وهو النطفة، قال ابن عباس مهين ضعيف، هذا نوع آخر من تخويف الكفار.
ونظيره قوله سبحانه (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين).
(فجعلناه في قرار مكين) أي مكان حريز وهو الرحم يحفظ فيه المني من الآفات المفسدة له كالهواء
(إلى قدر معلوم) أي إلى مقدار قدره الله تعالى للولادة وهو مدة الحمل وهو تسعة أشهر أو ما فوقها أو ما دونها، وقيل إلى أن يصور.
(فقدرنا) قرأ الجمهور بالتخفيف من القدرة ويدل عليه (فنعم القادرون) وقرىء بالتشديد من التقدير، وهو موافق لقوله (من نطفة خلقه فقدره) قال الكسائي والفراء وهما لغتان بمعنى قدرت كذا وقدرته (فنعم القادرون) أي نعم المقدرون نحن، قيل المعنى قدرناه قصيراً أو طويلاً، وقيل قدرنا أي ملكنا.
(ويل يومئذ للمكذبين) بقدرتنا على ذلك أو على الإعادة وبنعمة الفطرة.

الصفحة 15