كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 15)

أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34)
ثم بين لهم بديع صنعه وعظيم قدرته ليعتبروا فقال
(ألم نجعل الأرض كفاتاً) معنى الكفت في اللغة الضم والجمع، ويقال كفت الشيء إذا ضمه وجمعه، ومن هذا يقال للجراب والقدر كفت، والكفات بالكسر الموضع الذي يكفت فيه شيء أي يضم، ذكره المختار والقاموس، وقال المحلي: مصدر كفت وفيه نظر لأن كفت من باب ضرب، فالحق أنه إسم مكان وقيل جمع كافت كصيام وقيام، وقيل مصدر كالكتاب والحساب.
وقال الأخفش: كفاتاً جمع كافتة والأرض يراد بها الجمع فنعتت بالجمع. وقال الخليل: التكفت تقليب الشيء ظهراً لبطن أو بطناً لظهر، ويقال إنكفت القوم إلى منازلهم أي ذهبوا.
والمعنى ألم نجعل الأرض ضامة للأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها، تضمهم وتجمعهم قال الفراء يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتاً في بطنها أي تحوزهم، وهو معنى قوله
(أحياء وأمواتاً) والتنكير فيهما للتفخيم أي تكفت أحياء لا يعدون وأمواتاً لا يحصرون، وقال أبو عبيدة: (كفاتاً) أوعية، وقيل معنى جعلها كفاتاً أنه يدفن فيها ما يخرج من الإنسان من الفضلات، وقال ابن عباس: (كفاتاً) كنا.
وقال الأخفش وأبو عبيدة: الأحياء والأموات وصفان للأرض أي

الصفحة 16