كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 15)

قرأ الجمهور (في ظلال) وقرىء في ظل جمع ظلة، قال مقاتل والكلبي: المراد بالمتقين الذين يتقون الشرك بالله لأن السورة من أولها إلى آخرها في تقريع الكفار على كفرهم.
قال الرازي: فيجب أن تكون هذه الآية مذكورة لهذا الغرض وإلا لتفككت السورة في نظمها وترتيبها، وإنما يتم النظم بأن يكون هذا الوعد حاصلاً للمؤمنين بسبب إيمانهم، لأنه لما تقدم وعيد الكافر بسبب كفره وجب أن يقرن ذلك بوعد المؤمن بسبب إيمانه حتى يصير ذلك سبباً في الزجر عن الكفر، فأما أن يقرن به وعد المؤمن بسبب طاعته فلا يليق بالنظر، كذا قال.
والمراد بالعيون الأنهار أي نابعة من ماء وعسل ولبن وخمر كما قال تعالى (فيها أنهار من ماء غير آسن) إلخ.
(وفواكه مما يشتهون) المراد بالفواكه ما يتفكه به مما تطلبه أنفسهم وتستدعيه شهواتهم فمتى اشتهوا فاكهة وجدوها حاضرة فليست فاكهة الجنة مقيدة بوقت دون وقت كما في أنواع فاكهة الدنيا.
(كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون) أي يقال لهم ذلك، والقائل لهم الملائكة إكراماً لهم، أو يقال لهم من قبل الله، فالجملة مقدرة بالقول والباء للسببية أي بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة.
(إنا كذلك) أي مثل ذلك الجزاء العظيم (نجزي المحسنين) في أعمالهم وعقائدهم
(ويل يومئذ للمكذبين) حيث صاروا في شقاء عظيم وصار المؤمنون في نعيم مقيم.
(كلوا وتمتعوا) خطاب للكفار أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكيراً لهم بحالهم في الدنيا أو يقال لهم هذا في الدنيا، وإنما قال (قليلاً) لأن متاع الدنيا وزمانه قليل لأنه زائل مع قصر مدته في مقابلة مدة الآخرة، وذلك إلى منتهى آجالهم.

الصفحة 22