كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 15)

قال بعض العلماء التمتع بالدنيا من أفعال الكافرين، والسعي لها من أفعال الظالمين والاطمئنان إليها من أفعال الكاذبين، والسكون فيها على حد الإذن والأخذ منها على قدر الحاجة من أفعال عوام المؤمنين، والإعراض عنها من أفعال الزاهدين، وأهل الحقيقة أجل خطراً من أن يؤثر فيهم حب الدنيا وبغضها وجمعها وتركها.
(إنكم مجرمون) أي المشركون بالله، وهذا وإن كان في اللفظ أمر فهو في المعنى تهديد وزجر عظيم
(ويل يومئذ للمكذبين) حيث عرضوا أنفسهم للعذاب الدائم بالتمتع القليل.
(وإذا قيل لهم) أي لهؤلاء المجرمين من أي قائل كان (اركعوا لا يركعون) أي وإذا أمروا بالصلاة لا يصلون، قال مقاتل: " نزلت في ثقيف امتنعوا من الصلاة بعد أن أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها فقالوا لا ننحني فإنها سبة علينا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود " وقيل إنما يقال لهم ذلك في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون في الدنيا لله سبحانه، قاله ابن عباس (¬1).
وفي هذه الآية دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وسميت الصلاة باسم جزئها وهو الركوع، وخص هذا الجزء لأنه يقال على الخضوع والطاعة، ولأنه خاص بصلاة المسلمين
¬_________
(¬1) قال الحافظ ابن حجر في " تخريج الكشاف " 181: هكذا ذكره الثعلبي، قال: وأخرجه أبو داود 3/ 222، وأحمد 4/ 218 وابن أبي شيبة، والطبراني، من رواية الحسن عن عثمان بن أبي العاص به، وأتم منه. قلت: وفيه عنعنة الحسن.
(ويل يومئذ للمكذبين) بأوامر الله سبحانه ونواهيه.
(فبأي حديث بعده) أي بعد القرآن (يؤمنون) أي يصدقون إذا لم

الصفحة 23