كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 15)
وهذا أمر معلوم؛ لأننا لو فسَّرنا الطعام هنا بالخبز، والتمر، وما أشبهه لم يكن فرق بين الكتابيين وغير الكتابيين، فإن غير الكتابيين ـ أيضاً ـ يحل لنا أن نأكل خبزهم، وتمرهم، وما أشبه ذلك، فالمراد بطعامهم ذبائحهم، وإنما أضافه إليهم؛ لأنهم ذبحوه ليَطْعَموه.
ومن السنة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأكل ذبائح اليهود، فقد أهدت إليه امرأة شاةً في خيبر فقبلها (¬1)، ودعاه يهودي إلى خبز شعير، وإهالةٍ سنخة وهي الشحم المتغير المنتن، فقبل (¬2)، وأكل عليه الصلاة والسلام، وثبت ـ أيضاً ـ في الصحيح أن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أخذ جراباً من شحم رُمي به في خيبر، فالتفت فإذا النبي صلّى الله عليه وسلّم وراءه يضحك (¬3)، وهذه سنة إقرارية.
فإن قلت: أفلا يمكن أن يكون الذابح مسلماً؟
الجواب: نقول: هذا احتمال بعيد، وخلاف الظاهر، ولو كان لا يحل ما قدموه للرسول عليه الصلاة والسلام إلا بتذكية مسلم، ولكان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يسأل عنه حينئذٍ؛
¬__________
(¬1) أخرجه الإمام أحمد (3/ 210، 270) إلا أن الحافظ ابن حجر قد نقل هذا الحديث في «أطراف المسند» (1/ 472) بلفظ: «أن خياطاً» بدل «يهودياً» وهو الموافق لبقية روايات المسند (3/ 252، 289، 290) وهو الموافق لرواية البخاري (5379) غير أنه لم يذكر خبز الشعير والإهالة السنخة.
(¬2) أخرجه البخاري في فرض الخمس/ باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب (3153)، ومسلم في الجهاد والسير/ باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب (1772) عن عبد الله بن مغفل ـ رضي الله عنه ـ، واللفظ لمسلم.
(¬3) أخرجه البخاري في الذبائح والصيد/ باب ذبيحة المرأة والأَمَة (5504) عن كعب بن مالك رضي الله عنه.