كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 15)
بن عبد الرَّحْمَن.
قَوْله: (إِلَى ثنية الْوَدَاع) ، المُرَاد من ثنية الْوَدَاع هُنَا هِيَ من جِهَة تَبُوك، لِأَن فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد قَالَ: لما قدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من تَبُوك خرج النَّاس يتلقونه إِلَى ثنية الْوَدَاع، فَخرجت مَعَ النَّاس، وَأَنا غُلَام، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَفِي غير هَذَا يحْتَمل أَن يكون ثنية الْوَدَاع الَّتِي من كل جِهَة الَّتِي يصل إِلَيْهَا المشيعون يسمونها ثنية الْوَدَاع، والثنية طَرِيق الْعقبَة، وَحكى صَاحب (الْمُحكم) فِي الثَّنية أَرْبَعَة أَقْوَال: فَقَالَ: والثنية الطَّرِيق فِي الْجَبَل كالنقب. وَقيل: الطَّرِيقَة إِلَى الْجَبَل. وَقيل: هِيَ الْعقبَة. وَقيل: هِيَ الْجَبَل نَفسه، وَقَالَ الدَّاودِيّ ثنية الْوَدَاع من جِهَة مَكَّة وتبوك من الشَّام مقابلتها كالمشرق من الْمغرب، إِلَّا أَن يكون ثنية أُخْرَى فِي تِلْكَ الْجِهَة، قَالَ: والثنية الطَّرِيق فِي الْجَبَل، ورد عَلَيْهِ صَاحب (التَّوْضِيح) : بقوله: وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا الثَّنية مَا ارْتَفع من الأَرْض. قلت: كَانَ هَذَا مَا اطلع على مَا قَالَه صَاحب (الْمُحكم) فَلذَلِك أسْرع بِالرَّدِّ.
791 - (بابُ مَا يَقُولُ إذَا رَجَع مِنَ الغَزْوِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُول الْغَازِي إِذا رَجَعَ من غَزوه.
4803 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا جُوِيْرِيَةُ عنْ نافِعٍ عنْ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا قَفَلَ كبَّرَ ثَلاثاً قالَ آيِبُونَ إنْ شاءَ الله تائِبُونَ عَابِدُونَ حامِدُونَ لِرَبِّنَا ساجِدُونَ صَدَقَ الله وعْدَهُ ونَصَرَ عَبْدَهُ وهَزَمَ الأحْزَابَ وحْدَهُ. .
وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة بن أَسمَاء الضبعِي البشري، والْحَدِيث قد مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب التَّكْبِير إِذا علا شرفاً فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عَن صَالح بن كيسَان عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر الحَدِيث وَمضى أَيْضا فِي أَوَاخِر الْحَج فِي بَاب مَا يَقُول إِذا رَجَعَ من الْحَج أَو الْعمرَة أَو الْغَزْو وَأَنه أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر إِلَى آخِره. قَوْله. قَوْله: (إِذا قفل) ، بِالْقَافِ ثمَّ بِالْفَاءِ: مَعْنَاهُ: إِذا رَجَعَ من غَزوه.
5803 - حدَّثنا أَبُو مَعْمَر قَالَ حدَّثنا عبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثني يَحْيَى بنُ أبي إسْحَاقَ عنْ أنَس ابنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقفلة من عسفان وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى رَاحِلَتِهِ وقَدْ أرْدَفَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فعَثَرَتْ ناقَتُهُ فَصُرِعَا جَمِيعاً فاقْتَحَمَ أبُو طَلحَةَ فقالَ يَا رسولَ الله جعَلَنِي الله فِدَاءَكَ قَالَ عَلَيْكَ المَرْأةَ فقَلَبَ ثَوْباً علَى وجْهِهِ وأتاهَا فألقاَهُ علَيْهَا وأصْلَحَ لَهُمَا مَرْكَبَهُمَا فَرَكِبا فاكْتَنَفْنا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمَّا أشْرَفْنَا علَى المَدِينَةِ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عابِدُونَ لِرَبِنا حامِدُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذالِكَ حتَّى دَخَلَ المَدِينَةَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: واسْمه عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد وَيحيى بن أبي إِسْحَاق مولى الحضارمة الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد وَفِي الْأَدَب عَن عَليّ عَن بشر بن الْمفضل وَفِي اللبَاس عَن مُحَمَّد عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح، وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن حميد بن مسْعدَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عمرَان بن مُوسَى.
قَوْله: (مقفله) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَفتح الْفَاء، أَي: مرجعه. قَوْله: (من عسفان) ، بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، وَقد مر غير مرّة أَنه مَوضِع على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة. وَقَالَ الْحَافِظ الدمياطي: هَذَا وهم، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد مقفله من خَيْبَر، لِأَن غَزْوَة عسفان إِلَى بني لحيان كَانَت فِي سنة سِتّ وغزوة خَيْبَر كَانَت فِي سنة سبع، وإرداف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَفِيَّة ووقوعهما كَانَ فِيهَا. قَوْله: (فصرعا) أَي: وَقعا. قَوْله: (فاقتحم) ، من قحم فِي الْأَمر إِذا رمى نَفسه فِيهِ من غير روية. قَوْله: (الْمَرْأَة) ، بِالنّصب
الصفحة 14
320