كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 15)

قَالَ: وكلكما إِلَى كافٍ. قَوْله: (فبحث بعقبه) ، الْبَحْث طلب الشَّيْء فِي التُّرَاب وَكَأَنَّهُ حفر بِطرف رجله. قَوْله: (أَو قَالَ بجناحه) ، شكّ من الرَّاوِي، قَالَ الْكرْمَانِي: وَمعنى: قَالَ، بجناجه، أَشَارَ بِهِ، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع، فَقَالَ: بعقبه هَكَذَا، وغمز عقبه على الأَرْض، وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: فركض جِبْرِيل بِرجلِهِ، وَفِي حَدِيث عَليّ: ففحص الأَرْض بإصبعه فنبعت زَمْزَم. قَوْله: (حَتَّى ظهر المَاء) ، وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: فَفَاضَ المَاء، وَفِي رِوَايَة ابْن قَانِع: فانبثق أَي: تفجر. قَوْله: (وَجعلت تحوضه) ، أَي: تَجْعَلهُ كالحوض لِئَلَّا يذهب المَاء، وَفِي رِوَايَة ابْن قَانِع: فدهشت أم إِسْمَاعِيل فَجعلت تحفر، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني من رِوَايَة ابْن نَافِع: تحفن، بالنُّون بدل الرَّاء، وَالْأول أصوب، وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب: فَجعلت تفحص الأَرْض بِيَدِهَا. قَوْله: (وَتقول بِيَدِهَا) ، هَكَذَا هُوَ حِكَايَة فعلهَا، وَهَذَا من إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل. قَوْله: (عينا معينا) ، قد مر تَفْسِيره عَن قريب، وَفِي رِوَايَة ابْن قَانِع: كَانَ المَاء ظَاهرا. قَوْله: (لَا تخافوا الضَّيْعَة) أَي: الْهَلَاك، ويروى: لَا تخافي، وَفِي حَدِيث أبي جهم: لَا تخافي أَن ينْفد المَاء، ويروى: لَا تخافي على أهل هَذَا الْوَادي ظمأً وَأَنَّهَا عين تشرب بهَا ضيفان الله، وَزَاد فِي حَدِيث أبي جهم: فَقَالَت: بشرك الله بِخَير. وَفِيه: أَن الْملك يتَكَلَّم مَعَ غير الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: (يَبْنِي هَذَا الْغُلَام) ، كَذَا هُوَ بِغَيْر ذكر الْمَفْعُول، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (يبنيه) ، بِإِظْهَار الْمَفْعُول. قَوْله: (كالرابية) ، وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع. قَوْله: (رفْقَة) ، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْفَاء وَفتح الْقَاف، وَهِي: الْجَمَاعَة المختلطون سَوَاء كَانُوا فِي سفرهم أَو لَا. قَوْله: (من جرهم) ، بِضَم الْجِيم وَالْهَاء، حَيّ من الْيمن وَهُوَ ابْن قحطان بن عَابِر بن شالخ بن إرفخشذ بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ جرهم وَأَخُوهُ قطورا أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ عِنْد تبلبل الألسن، وَكَانَ رَئِيس جرهم مضاض بن عَمْرو، وَرَئِيس قطورا السميدع، وَيُطلق على الْجَمِيع: جرهم، وَقيل: إِن أصلهم من العمالقة، وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب: وَكَانَت جرهم يَوْمئِذٍ بوادٍ قريب من مَكَّة. قَوْله: (أَو أهل بَيت من جرهم) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (مُقْبِلين) ، حَال من الإقبال، وَهُوَ التَّوَجُّه إِلَى الشَّيْء قَوْله: (من طَرِيق كداء) ، بِفَتْح الْكَاف وبالمد وَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع الرِّوَايَات، وَاعْترض بَعضهم بِأَن كداء بِالْفَتْح وَالْمدّ: مَحل فِي أَعلَى مَكَّة وَأما الَّذِي فِي أَسْفَلهَا بِضَم الْكَاف وَالْقصر، وَالصَّوَاب هُنَا هَذَا: يَعْنِي: بِالضَّمِّ وَالْقصر، ورد بِأَنَّهُ: لَا مَانع من أَن يدخلوها من الْجِهَة الْعليا وينزلوا من الْجِهَة السُّفْلى. قَوْله: (عائفاً) ، بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالفاء، وَهُوَ الَّذِي يتَرَدَّد على المَاء ويحوم حوله وَلَا يمْضِي عَنهُ. قَالَه الْخَلِيل. والعائف: الرجل الَّذِي يعرف مَوَاضِع المَاء من الأَرْض. قَوْله: (لعهدنا) ، اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد. قَوْله: (بِهَذَا الْوَادي) ، ظرف مُسْتَقر لَا لَغْو. قَوْله: (وَمَا فِيهِ مَاء) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (فأرسلوا جَريا) ، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ الرَّسُول، وَيُطلق على الْوَكِيل والأجير، وَسمي بذلك لِأَنَّهُ يجْرِي مجْرى مرسله أَو مُوكله، أَو لِأَنَّهُ يجْرِي مسرعاً فِي حَوَائِجه. قَوْله: (أَو جريين) ، شكّ من الرَّاوِي، هَل أرْسلُوا وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ؟ وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع: (فأرسلوا رَسُولا) . قَوْله: (فَإِذا هم بِالْمَاءِ) ، كلمة إِذا للمفاجأة. فَإِن قلت: الْمَذْكُور: جرى، بِالْإِفْرَادِ أَو جريين بالتثنة، فَمَا وَجه الْجمع؟ قلت: يحْتَمل كَون نَاس آخَرين مَعَ الجري من الخدم والأتباع. قَوْله: (فَأَقْبَلُوا) ، أَي: جرهم أَقبلُوا إِلَى جِهَة المَاء. قَوْله: (وَأم إِسْمَاعِيل عِنْد المَاء) ، جملَة حَالية أَي: كائنة عِنْد المَاء مُسْتَقِرَّة. قَوْله: (فقالو) ، أَي: جرهم قَالُوا بعد حضورهم عِنْد أم إِسْمَاعِيل. قَوْله: (فَقَالَت: نعم) ، أَي: قَالَت أم إِسْمَاعِيل: نعم أَذِنت لكم بالنزول. قَوْله: (فألفى ذَلِك) ، بِالْفَاءِ أَي: وجد. قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: وجد ذَلِك الجرهمي أم إِسْمَاعِيل محبَّة للمؤانسة بِالنَّاسِ، وَقَالَ بَعضهم: فألفى ذَلِك: أَي وجد، وَأم إِسْمَاعِيل، بِالنّصب على المفعولية، وَلم يبين فَاعل: وجد، من هُوَ كَأَنَّهُ خَفِي عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ خَفِي على الْكرْمَانِي حَتَّى جعل فَاعل: ألفى، الجرهمي، وَالْفَاعِل لقَوْله: فألفى هُوَ قَوْله: ذَلِك، وَأم إِسْمَاعِيل مَفْعُوله، وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى اسْتِئْذَان جرهم وَالْمعْنَى: فَأتى اسْتِئْذَان جرهم بالنزول أم إِسْمَاعِيل، وَالْحَال أَنَّهَا تَحت الْأنس لِأَنَّهَا كَانَت وَحدهَا وَإِسْمَاعِيل صَغِير والوحشة متمكنة، وَنَظِير مَا ذكرنَا من هَذَا نَظِير مَا فِي قَول عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَا ألفاه السَّحر عِنْدِي إلاَّ نَائِما، وَفَسرهُ ابْن الْأَثِير وَغَيره: أَي مَا أَتَى عَلَيْهِ السَّحر إلاَّ وَهُوَ نَائِم، يَعْنِي: بعد صَلَاة اللَّيْل، وَالْفِعْل فِيهِ للسحر. قَوْله: (الْأنس) ، بِضَم الْهمزَة وَيجوز بِالْكَسْرِ أَيْضا لِأَن الْأنس بِالْكَسْرِ جِنْسهَا. قَوْله: (وشب الْغُلَام) ، أَي: إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي حَدِيث أبي جهم: وَنَشَأ

الصفحة 257