كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 15)

اللَّبن إِذا غَيره، وَفِي حَدِيث أبي جهم: لَيْسَ أحد يَخْلُو على اللَّحْم وَالْمَاء بِغَيْر مَكَّة إلاَّ اشْتَكَى بَطْنه. قَوْله: (هَل أَتَاكُم من أحد؟) وَفِي رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب: فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيل وجد ريح أَبِيه، فَقَالَ لامْرَأَته: هَل جَاءَك أحد؟ قَالَت: نعم شيخ أحسن النَّاس وَجها وَأطيب ريحًا. قَوْله: (أَن تثبت عتبَة بابك) وَفِي حَدِيث أبي جهم: فَإِنَّهَا فلاح الْمنزل. قَوْله: (أَن أمسكك) زَاد فِي حَدِيث أبي جهم: وَلَقَد كنت عَليّ كَرِيمَة، وَلَقَد ازددت عَليّ كَرَامَة، فَولدت لإسماعيل عشرَة ذُكُور، قلت: ولدت اثْنَي عشر رجلا، وهم: نابت وقيدار وإذميل وميشى ومسمع وذوما وماش وآزر وفطور ونافش وظميا وقيدما، وَكَانَت لَهُ ابْنة تسمى: نسمَة. قَوْله: (يبري) ، بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة (والنبل) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: السهْم، قبل أَن يركب فِيهِ نصله وريشه، وَهُوَ السهْم الْعَرَبِيّ. قَوْله: (دوحة) ، وَهِي الَّتِي نزل إِسْمَاعِيل وَأمه تحتهَا أول قدومهما، وَوَقع فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع، من رواء زَمْزَم. قَوْله: (كَمَا يصنع الْوَالِد بِالْوَلَدِ وَالْولد بالوالد) ، يَعْنِي من الاعتناق والمصافحة وتقبيل الْيَد. قَوْله: (إِن الله أَمرنِي بِأَمْر) قيل: كَانَ عمر إِبْرَاهِيم فِي ذَلِك الْوَقْت مائَة سنة، وَعمر إِسْمَاعِيل ثَلَاثِينَ سنة. قَوْله: (وتعينني؟) قَالَ: وأعينك. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فأعينك، بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع: إِن الله قد أَمرنِي أَن تعينني عَلَيْهِ، قَالَ: إِذن إفعل. بِالنّصب. قَوْله: (أكمة) بفتحين، وَهِي: الرابية. قَوْله: (على مَا حولهَا) ، يتَعَلَّق بقوله: ابْني. قَوْله: (رفعا الْقَوَاعِد) جمع قَاعِدَة، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس: الْقَوَاعِد الَّتِي رَفعهَا إِبْرَاهِيم كَانَت قَوَاعِد الْبَيْت قبل ذَلِك، وَفِي رِوَايَة مُجَاهِد عِنْد ابْن أبي حَاتِم: أَن الْقَوَاعِد كَانَت فِي الأَرْض السَّابِعَة، وَفِي حَدِيث أبي جهم: فَبلغ إِبْرَاهِيم من الأساس أس آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَجعل طوله فِي السَّمَاء تِسْعَة أَذْرع وَعرضه فِي الأَرْض، يَعْنِي: دوره ثَلَاثِينَ ذِرَاعا، كَانَ ذَلِك بذراعهم، زَاد أَبُو جهم: وَأدْخل الْحجر فِي الْبَيْت، وَكَانَ قبل ذَلِك زرباً لغنم إِسْمَاعِيل، وَإِنَّمَا بناه بحجارة بَعْضهَا على بعض وَلم يَجْعَل لَهُ سقفاً، وَجعل لَهُ بَابا وحفر لَهُ بِئْرا عِنْد بَابه خزانَة للبيت يلقِي فِيهَا مَا يهدى للبيت، وَفِي حَدِيثه أَيْضا: أَن الله أوحى إِلَى إِبْرَاهِيم أَن اتبع السكينَة، فحلقت على مَوضِع الْبَيْت كَأَنَّهَا سَحَابَة فحفراه: يُرِيد أَن أساس آدم الأول. وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنَا هناد بن السّري حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن سماك عَن خَالِد بن عرْعرة: أَن رجلا قَامَ إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: أَلا تُخبرنِي عَن الْبَيْت أهوَ أول بَيت وضع فِي الأَرْض؟ فَقَالَ: لَا، وَلكنه أول بَيت وضع للبركة مقَام إِبْرَاهِيم، وَمن دخله كَانَ آمنا، وَإِن شِئْت أَنْبَأتك كَيفَ بني: إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَى إِبْرَاهِيم أَن ابنِ لي بَيْتا فِي الأَرْض. قَالَ: فَضَاقَ إِبْرَاهِيم بذلك ذرعاً، فَأرْسل الله السكينَة، وَهِي ريح خجوج وَلها رأسان، فَاتبع أَحدهمَا صَاحبه حَتَّى انْتَهَت إِلَى مَكَّة فتطوت على مَوضِع الْبَيْت كطي الْجحْفَة، وَأمر إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَن يَبْنِي حَيْثُ تَسْتَقِر السكينَة، فَبنى إِبْرَاهِيم وَبَقِي حجر، فَقَالَ إِبْرَاهِيم لإسماعيل: إئتني حجرا كَمَا أَمرك الله. قَالَ: فَانْطَلق الْغُلَام يلْتَمس لَهُ حجرا، فَأَتَاهُ بِهِ فَوَجَدَهُ قد ركب الْحجر الْأسود فِي مَكَانَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَت، من أَتَاك بِهَذَا الْحجر؟ قَالَ: أَتَانِي بِهِ من لَا يتكل على بنائك، جَاءَ بِهِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من السَّمَاء فأتماه. وَفِي رِوَايَة السّديّ: لما بنيا الْقَوَاعِد فبلغا مَكَان الرُّكْن، قَالَ إِبْرَاهِيم لإسماعيل: يَا بني أطلب لي حجرا حسنا أَضَعهُ هَهُنَا. قَالَ: يَا أبتِ إِنِّي كسلان. قَالَ: عَليّ ذَلِك، فَانْطَلق يطْلب لَهُ حجرا،، وَجَاء جِبْرِيل بِالْحجرِ الْأسود من الْهِنْد، وَكَانَ أَبيض ياقوتة بَيْضَاء مثل الثغامة، وَكَانَ آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، هَبَط بِهِ من الْجنَّة فاسودَّ من خَطَايَا النَّاس، فَجَاءَهُ إِسْمَاعِيل بِحجر فَوَجَدَهُ عِنْد الرُّكْن، فَقَالَ: يَا أَبَت! من جَاءَك بِهَذَا؟ قَالَ: جَاءَ بِهِ من هُوَ أنشط مِنْك، فَبَيْنَمَا هما يدعوان الْكَلِمَات الَّتِي ابْتُلِيَ إِبْرَاهِيم ربه فَقَالَ: {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} (الْبَقَرَة: 721) . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي حَدثنَا عَمْرو بن رَافع حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن مُعَاوِيَة عَن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد عَن عليان ابْن أَحْمَر: أَن ذَا القرنين قدم مَكَّة فَوجدَ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل بنيا قَوَاعِد الْبَيْت من خَمْسَة أجبل، فَقَالَ: مَا لَكمَا ولأرضي؟ فَقَالَا: نَحن عَبْدَانِ مأموران، أمرنَا بِبِنَاء هَذِه الْكَعْبَة، قَالَ: فهاتا الْبَيِّنَة على مَا تدعيان، فَقَامَتْ خَمْسَة أكبش، فَقُلْنَ: نَحن نشْهد أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَبْدَانِ مأموران، أمرا بِبِنَاء هَذِه الْكَعْبَة، فَقَالَ: قد رضيت وسلمت، ثمَّ مضى. وَذكر الْأَزْرَقِيّ فِي (تَارِيخ مَكَّة) : أَن ذَا القرنين طَاف مَعَ إِبْرَاهِيم بِالْبَيْتِ. قلت: ريح خجوج أَي: شَدِيدَة الْمُرُور فِي غير اسْتِوَاء. قَوْله: (فتطوت) ، وَفِي رِوَايَة: (فتطوقت) . قَوْله: (مثل الثغامة) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة والغين الْمُعْجَمَة، وَهِي طير أَبيض كَبِير. قَوْله: (من خَمْسَة

الصفحة 259