كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 15)

وَالنُّذُور. وَقَوله: (أحفظ) ، يَعْنِي من أبي قلَابَة، وَقَالَ الكلاباذي: الْقَاسِم وَأَبُو قلَابَة كِلَاهُمَا حَدثا عَن زَهْدَم، وروى أَيُّوب عَن الْقَاسِم مَقْرُونا بِأبي قلَابَة فِي الْخمس. قَوْله: (فَأتى ذكر دجَاجَة) ، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، فَأتى، بِصِيغَة الْمَاضِي من الْإِتْيَان، وَلَفظ: ذكر، بِكَسْر الذَّال وَسُكُون الْكَاف، ودجاجة بِالْجَرِّ والتنوين على الْإِضَافَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، فَأتي، بِصِيغَة الْمَجْهُول و: ذكر، بِفتْحَتَيْنِ على صِيغَة الْمَاضِي، و: دجَاجَة بِالنّصب والتنوين على المفعولية. وَفِي النذور، فَأتى بِطَعَام فِيهِ دَجَاج، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فدعي بمائدة وَعَلَيْهَا لحم دَجَاج، وَفِي لفظ عَن زَهْدَم الْجرْمِي: دخلت على أبي مُوسَى وَهُوَ يَأْكُل لحم دَجَاج، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن زَهْدَم، قَالَ: دخلت على أبي مُوسَى وَهُوَ يَأْكُل دجَاجَة، فَقَالَ: أدنُ فكُلْ فَإِنِّي رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُلهُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن. والدجاجة، بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا، وهما لُغَتَانِ مشهورتان، وَحكى فِيهِ أَيْضا ضمهَا، وَهِي لُغَة ضَعِيفَة. قَالَ الدَّاودِيّ: اسْم الدَّجَاجَة يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَلَا أَدْرِي من أَيْن أَخذه. قلت: قَالَه أهل اللُّغَة، وَالتَّاء فِيهِ للْفرق بَين الْجِنْس ومفرده. قَوْله: (وَعِنْده رجل من بني تيم الله) وَالرجل، وتيم الله، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهُوَ نِسْبَة إِلَى بطن من بني بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة، وَمعنى: تيم الله: عبد الله. قَوْله: (أَحْمَر) ، مُقَابل الْأسود وَهُوَ صفة لرجل. قَوْله: (كَأَنَّهُ من الموالى) ، يَعْنِي: من سبي الرّوم. قَوْله: (فقذرته) ، بِالْقَافِ والذال الْمُعْجَمَة وَالرَّاء، قَالَ ابْن فَارس: قذرت الشَّيْء: أَي كرهته. قَوْله: (هَلُمَّ) أَي: تعال، وَفِيه لُغَتَانِ فَأهل الْحجاز يطلقونه على الْوَاحِد والإثنين وَالْجمع والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد مَبْنِيّ على الْفَتْح، وَبَنُو تَمِيم تثنى وَتجمع وتؤنث، فَتَقول: هَلُمَّ هلما هلموا، هَلُمِّي هلما هلمن. قَوْله: (فلأحدثكم عَن ذَلِك) يَعْنِي عَن الْحلف. قَوْله: (فِي نفر) ، النَّفر: رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته وَهُوَ اسْم جمع يَقع على جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، والرهط عشيرة الرجل وَأَهله، والرهط من الرِّجَال مَا دون الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى الْأَرْبَعين وَلَا يكون فيهم امْرَأَة، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَيجمع على: أرهط وأرهاط وأراهط، جمع الْجمع قَوْله: (من الْأَشْعَرِيين) جمع أشعري نِسْبَة إِلَى الْأَشْعر، وَهُوَ نبت بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان. قَوْله: (نستحمله) ، أَي: نسْأَل مِنْهُ أَن يحملنا، يَعْنِي أَرَادوا مَا يركبون عَلَيْهِ من الْإِبِل ويحملون عَلَيْهَا. قَوْله: (وَأتي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بِنَهْب إبل) النهب الْغَنِيمَة. قَوْله: (ذود) بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره دَال مُهْملَة، وَهُوَ من الْإِبِل مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْرَة. قَوْله: (غر الذرى) الغر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء: جمع أغر، وَهُوَ الْأَبْيَض، و: الذرى، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء مَقْصُورا، جمع ذرْوَة، وذروة كل شَيْء أَعْلَاهُ يُرِيد: أَنَّهَا ذَوُو الأسنمة الْبيض من سمنهن وَكَثْرَة شحومهن. قَوْله: (أفنسيت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (وَلَكِن الله حملكم) ، قَالَ الْخطابِيّ: هَذَا يحْتَمل وُجُوهًا: أَن يُرِيد بِهِ إِزَالَة الْمِنَّة عَلَيْهِم وَإِضَافَة النِّعْمَة فِيهَا إِلَى الله تَعَالَى، أَو أَنه نسي، وَالنَّاسِي بِمَنْزِلَة الْمُضْطَر، وَفعله قد يُضَاف إِلَى الله تَعَالَى، كَمَا فِي الصَّائِم إِذا أكل نَاسِيا فَإِن الله أطْعمهُ وسقاه، أَو أَن الله حملكم حِين سَاق هَذَا النهب ورزق هَذِه الْغَنِيمَة، أَو أَنه نوى فِي ضَمِيره إلاَّ أَن يرِدَ عَلَيْهِ مَال فِي ثَانِي الْحَال فيحملهم عَلَيْهِ. قَوْله: (وتحللتها) من التَّحَلُّل، وَهُوَ التفضي من عُهْدَة الْيَمين وَالْخُرُوج من حرمتهَا إِلَى مَا يحل لَهُ مِنْهَا، وَهُوَ: إِمَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ مَعَ الِاعْتِقَاد، وَإِمَّا بِالْكَفَّارَةِ.
وَفِي هَذَا الحَدِيث: دلَالَة على أَن من حلف على فعل شَيْء أَو تَركه وَكَانَ الْحِنْث خيرا من التَّمَادِي على الْيَمين اسْتحبَّ لَهُ الْحِنْث، وَتلْزَمهُ الْكَفَّارَة وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ. وَأَجْمعُوا على أَنه: لَا تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث، وعَلى أَنه يجوز تَأْخِيرهَا عَن الْحِنْث، وعَلى أَنه لَا يجوز تَقْدِيمهَا قبل الْيَمين. وَاخْتلفُوا فِي جَوَازهَا بعد الْيَمين، وَقبل الْحِنْث، فجوزها مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ، وَاسْتثنى الشَّافِعِي التَّكْفِير بِالصَّوْمِ، فَقَالَ: لَا يجوز قبل الْحِنْث، وَأما التَّكْفِير بِالْمَالِ فَيجوز، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَأَشْهَب الْمَالِكِي: لَا يجوز تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث بِكُل حَال. وَفِيه: أَنه لَا بَأْس بِدُخُول الرجل على الرجل فِي حَال أكله، لَكِن إِنَّمَا يحسن ذَلِك إِذا كَانَ بَينهمَا صداقة مُؤَكدَة. وَفِيه: استدناء صَاحب الطَّعَام للداخل عَلَيْهِ فِي حَال أكله ودعوته للطعام، وَهُوَ مَشْرُوع متأكد سَوَاء كَانَ الطَّعَام قَلِيلا أَو كثيرا، وَطَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الْإِثْنَيْنِ، وَطَعَام الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَة، وَطَعَام الْأَرْبَعَة يَكْفِي الثَّمَانِية، واجتماع الْجَمَاعَة على الطَّعَام مُقْتَض لحُصُول الْبركَة فِيهِ. وَفِيه: جَوَاز

الصفحة 58