كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 15)
وَفِي بعض النّسخ: فَذكر دهراً، وَلَفظ: دهراً، مَحْذُوف فِي كتاب ابْن بطال، وَذكره ابْن السكن، وَهُوَ تَفْسِير لهَذِهِ الرِّوَايَة، كَأَنَّهُ أَرَادَ: بَقِي هَذَا الْقَمِيص مُدَّة طَوِيلَة من الزَّمَان فنسيها الرَّاوِي، فَعبر عَنْهَا بقوله: ذكر دهراً، أَي: زَمَانا بِحَسب تحديده.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز لبس الْقَمِيص الْأَصْفَر، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر على وَالِد أم خَالِد. وَفِيه: الْمُسَامحَة للأطفال فِي اللّعب بِحَضْرَة آبَائِهِم وَغَيرهم، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على خلق عَظِيم. وَفِيه: الدُّعَاء لمن يلبس جَدِيدا بقوله: إبلي واخلقي، أَو إبلِ وأخلق للابس. وَفِيه: جَوَاز الرطانة بِغَيْر الْعَرَبيَّة، لِأَن الْكَلَام بِغَيْر الْعَرَبيَّة يحْتَاج الْمُسلمُونَ إِلَيْهِ للتكلم مَعَ رسل الْعَجم، وَقد أمَّر الشَّارِع زيد بن ثَابت بِكَلَام الْعَجم، وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا يكره أَن يتَكَلَّم بالعجمية إِذا كَانَ بعض من حضر لَا يفهمها، فَيكون كمناجي الْقَوْم دون الثَّالِث، قَالَ الدَّاودِيّ: إِذا لم يعرفهَا اثْنَان فَأكْثر يلْزم أَن يجوز ذَلِك.
2703 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيادٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ أخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فجَعَلَها فِي فِيهِ فَقَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالفَارِسِيَّةِ كَخْ كَخْ أما تَعْرِفُ أنَّا لَا نَأكُلُ الصَّدَقَةَ. (انْظُر الحَدِيث 5841 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كخ كخ) ، وَهُوَ بِفَتْح الْكَاف وَكسرهَا وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسرهَا وبالتنوين مَعَ الْكسر وَبِغير تَنْوِين، وَهِي كلمة يزْجر بهَا الصّبيان من المستقذرات، يُقَال لَهُ: كخ، أَي: اتركها وارمِ بهَا. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: يُقَال: كخ بكخ كخا، إِذا نَام فَقَط. وَقَالَ الدَّاودِيّ: كلمة أَعْجَمِيَّة عربت، وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد مر غير مرّة.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب مَا يذكر فِي الصَّدَقَة، فَإِنَّهُ رُوِيَ هُنَاكَ: عَن آدم عَن شُعْبَة، وَهنا بَينه وَبَين شُعْبَة اثْنَان. قَالَ الْكرْمَانِي: وللمنازع أَن يُنَازع فِي كَون هَذِه الْأَلْفَاظ أَعْجَمِيَّة. أما السُّور فلاحتمال أَن يكون من بَاب توَافق اللغتين كالصابون. وَأما: سنه، فَيحْتَمل أَن يكون أَصله حَسَنَة، فَحذف من أَوله الْحَاء كَمَا حذف، هدفي قَوْلهم: كفى بِالسَّيْفِ شا، أَي: شَاهدا. وَأما كخ فَهُوَ من بَاب الْأَصْوَات قلت: الْكل لَا يَخْلُو عَن نظر. أما الأول: فاحتمال وَبِه لَا تثبت اللُّغَة. وَأما الثَّانِي: فَلَا يجوز التَّرْخِيم فِي أول الْكَلِمَة، وَأما الثَّالِث: فَلِأَنَّهُ من أَسمَاء الْأَفْعَال. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا مُنَاسبَة هَذِه الْأَحَادِيث لكتاب الْجِهَاد؟ فَقَالَ: أما الحَدِيث الأول فَظَاهر لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَوْم الخَنْدَق، وَأما الْآخرَانِ فبالتبعية. قلت: كَونه فِي الخَنْدَق لَا يسْتَلْزم أَن يكون مُتَعَلقا بِأُمُور الْجِهَاد. أَقُول: يُمكن أَن يُقَال: إِن للتَّرْجَمَة تعلقاً مَا بِكِتَاب الْجِهَاد، وَهُوَ أَن الإِمَام إِذا أَمن أهل الْحَرْب بلسانهم ولغتهم يكون ذَلِك أَمَانًا، لِأَن الله يعلم الْأَلْسِنَة كلهَا. فَافْهَم.
981 - (بابُ الغُلُولِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حُرْمَة الْغلُول، نقل النَّوَوِيّ الْإِجْمَاع على أَنه من الْكَبَائِر، وَهُوَ من غل فِي الْمغنم يغل غلولاً، فَهُوَ غالٍ. قَالَ ابْن الْأَثِير: الْغلُول هُوَ الْخِيَانَة فِي الْمغنم وَالسَّرِقَة فِي الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة، وكل من خَان فِي شَيْء خُفْيَة فقد غل وَسميت غلولاً لِأَن الْأَيْدِي فِيهَا مغلولة، أَي: مَمْنُوعَة مجعول فِيهَا غل، وَهُوَ الحديدة الَّتِي تجمع يَد الْأَسير إِلَى عُنُقه، وَيُقَال لَهَا الجامعة أَيْضا.
وقَوْلِ الله تَعَالَى {ومَنْ يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ} (آل عمرَان: 161) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على الْغلُول، وأوله: {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل وَمن يغلل يَأْتِ بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ توفَّى كل نفس مَا كسبت وهم لَا يظْلمُونَ} (آل عمرَان: 161) . وَهَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة آل عمرَان. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا الْمسيب بن وَاضح حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن سُفْيَان عَن خصيف عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: فقدوا قطيفة يَوْم بدر، فَقَالُوا: لَعَلَّ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَخذهَا، فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} (آل عمرَان: 161) . أَي: يخون، هَذِه تَنْزِيه لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جَمِيع وُجُوه الْخِيَانَة فِي أَدَاء الْأَمَانَة، وَقسم الْغَنِيمَة وَغير ذَلِك، وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} (آل عمرَان: 161) . أَي:
الصفحة 6
320