كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 15)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا" أَيْ أَطْفَالًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا «1»." ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ" وَهِيَ حَالَةُ اجْتِمَاعِ الْقُوَّةِ وَتَمَامِ الْعَقْلِ. وَقَدْ مَضَى فِي [الْأَنْعَامِ»
] بَيَانُهُ." ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً" بِضَمِّ الشِّينِ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وابن محيصن وحفص وهشام ويعقوب وأبو عَمْرٍو عَلَى الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ جَمْعُ فَعْلٍ، نَحْوَ: قَلْبٌ وَقُلُوبٌ وَرَأْسٌ وَرُءُوسٌ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ الشِّينِ لِمُرَاعَاةِ الْيَاءِ وَكِلَاهُمَا جَمْعُ كَثْرَةٍ، وَفِي الْعَدَدِ الْقَلِيلِ أَشْيَاخٌ وَالْأَصْلُ أَشْيُخٌ، مِثْلَ فَلْسٍ وَأَفْلُسَ إِلَّا أَنَّ الْحَرَكَةَ فِي الْيَاءِ ثَقِيلَةٌ. وقرى" شَيْخًا" عَلَى التَّوْحِيدِ، كَقَوْلِهِ:" طِفْلًا" وَالْمَعْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْغَرَضَ بَيَانُ الْجِنْسِ. وَفِي الصِّحَاحِ: جَمْعُ الشَّيْخِ شُيُوخٌ وَأَشْيَاخٌ وَشَيْخَةٌ وَشِيخَانٌ وَمَشْيَخَةٌ وَمَشَايِخُ وَمَشْيُوخَاءُ، وَالْمَرْأَةُ شيخة. قال عبيد «3»:
كَأَنَّهَا شَيْخَةٌ رَقُوبُ «4»

وَقَدْ شَاخَ الرَّجُلُ يَشِيخُ شَيَخًا بِالتَّحْرِيكِ عَلَى أَصْلِهِ وَشَيْخُوخَةً، وَأَصْلُ الْيَاءِ مُتَحَرِّكَةٌ فَسُكِّنَتْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعَلُولٌ. وَشَيَّخَ تَشْيِيخًا أَيْ شَاخَ. وَشَيَّخْتُهُ «5» دَعَوْتُهُ شَيْخًا لِلتَّبْجِيلِ. وَتَصْغِيرُ الشَّيْخِ شُيَيْخٌ وَشِيَيْخٌ أَيْضًا بِكَسْرِ الشِّينِ وَلَا تَقُلْ شُوَيْخٌ النَّحَّاسُ: وَإِنِ اضْطُرَّ شَاعِرٌ جَازَ أَنْ يَقُولَ أَشْيُخٌ مِثْلَ عَيْنٍ وَأَعْيُنٌ إِلَّا أَنَّهُ حَسَنٌ فِي عَيْنٍ، لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ. وَالشَّيْخُ مَنْ جَاوَزَ أَرْبَعِينَ سَنَةً." وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ" قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَكُونَ شَيْخًا، أَوْ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ إِذَا خَرَجَ سِقْطًا." وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى" قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَوْتُ لِلْكُلِّ. وَاللَّامُ لَامُ الْعَاقِبَةِ." وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" ذَلِكَ فَتَعْلَمُوا أَنْ لا إله غيره.
__________
(1). راجع ج 12 ص 11 وما بعدها طبعه أولى أو ثانية.
(2). راجع ج 7 ص 134 وما بعدها طبعه أولى أو ثانية.
(3). هو عبيد بن الأبرص.
(4). الرقوب: التي ترقب ولدها خوف أن يموت. البيت في وصف فرسه، وتمامه:
باتت على أرم عذوبا

(5). الزيادة من كتب اللغة.

الصفحة 330