كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 15)

فَأَمَّا الَّذِي فَوْقِي فَأَعْرِفُ قَدْرَهُ ... - وَأَتْبَعُ فِيهِ الْحَقَّ وَالْحَقُّ لَازِمُ
وَأَمَّا الَّذِي دُونِي فَإِنْ قَالَ صُنْتُ عَنْ ... - إِجَابَتِهِ عِرْضِي وَإِنْ لَامَ لائم
وأما مِثْلِي فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا ... - تَفَضَّلْتُ إِنَّ الْفَضْلَ بِالْحِلْمِ حَاكِمُ
" وَما يُلَقَّاها" يَعْنِي هَذِهِ الْفَعْلَةَ الْكَرِيمَةَ وَالْخُصْلَةَ الشَّرِيفَةَ" إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا" بِكَظْمِ الْغَيْظِ وَاحْتِمَالِ الْأَذَى." وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" أَيْ نَصِيبٍ وَافِرٍ مِنَ الْخَيْرِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: الْحَظُّ الْعَظِيمُ الْجَنَّةُ. قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ مَا عَظُمَ حَظٌّ قَطُّ دُونَ الْجَنَّةِ. وَقِيلَ الْكِنَايَةُ فِي" يُلَقَّاها" عَنِ الْجَنَّةِ أَيْ مَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ" تَقَدَّمَ فِي آخِرِ" الأعراف" «1» مستوفى." فاستعذ بالله" من كيد وَشَرِّهِ" إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ" لِاسْتِعَاذَتِكَ" الْعَلِيمُ" بِأَفْعَالِكَ وأقوالك.

[سورة فصلت (41): الآيات 37 الى 39]
وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
قَوْلُهُ تَعَالَى" وَمِنْ آياتِهِ" عَلَامَاتُهُ الدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ" اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ" وَقَدْ مَضَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ «2». ثُمَّ نَهَى عَنِ السُّجُودِ لَهُمَا، لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا خَلْقَيْنِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِفَضِيلَةٍ لَهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا فَيَسْتَحِقَّانِ بِهَا الْعِبَادَةَ مع الله. لان خالقهما هو الله
__________
(1). راجع ج 7 ص 347 وما بعدها طبعه أولى أو ثانيه.
(2). راجع ج 2 ص 192 وما بعدها طبعه ثانيه.

الصفحة 363