كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 15)

السحر، ونقلا بعد الطوفان الى بابل. وكان عرناق يجتلب النساء بسحره ويغتصبهنّ، وكان يسكن الجنة التى عملها نقارس، فاحتالت عليه امرأة من المغصوبات فسمّته فهلك وبقى مدّة لا يعرف خبره. وكان من رسمه- إذا خلا بنسائه- لا يقربه أحد، فلمّا تأخر خبره عن الناس هجم عليه فتى من بنى نقراوس يقال له لوخيم «1» ومعه نفر من أهله، فوجدوه ملقى فى فراشه جيفة. فأمر أن توقد له نار فأحرقه فيها. وجمع النسوة اللواتى كنّ فى الجنة، فمن كانت من نسائه تركها، ومن كانت من المغصوبات سرّحها الى أهلها، ففرح الناس بذلك وبما نزل به.
وملك بعده لوخيم وجلس على سرير الملك ولبس تاج أبيه، وأمر بجمع الناس وقام فيهم وتكلّم وذكر ما كان عليه عرناق الأثيم من سوء السيرة واغتصاب النساء وسفك الدماء ورفض الهياكل والاستخفاف بالكهنة الى أن هلك، وأنه أحقّ بتراث أبيه «2» وجدّه. وضمن للناس العدل والإحسان والقيام بأمرهم ودفع كل أذى عنهم. فرضى الناس به وأطاعوه وقالوا: أنت أحقّ بالملك، ولا زلت دائم السعادة طويل العمر قائما بتجويد الهيا كل وتعظيمها. فركب الى هيكل الشمس فقرّب له بقرا كثيرا، وسار فى الناس بالعدل. قال: وكانت الغرانيق «3» قد كثرت فى زمن عرناق فأهلكت زروع الناس. فعمل لوخيم أربع منارات من نحاس فى أربعة جوانب أمسوس، وجعل على كل منارة صورة غراب فى فمه حيّة قد التوت عليه فلم يقربهم شىء من تلك الطيور، فكانت كذلك حتى أزالها الطوفان.

الصفحة 10