كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 15)

الطّلّسمات الصادقة، وأقمت الصّور الناطقة، ونصبت الأعلام الهائلة على البحار السائلة، ليعلم من بعدى أنه لا يملك أحد ملكى، وكل ذلك فى أوقات السعادة.
وكان قد عمل فى جنّته شجرة مولدة يؤكل منها جميع الفواكه، وقبّة من زجاج أحمر على رأسها صنم يدور مع الشمس، ووكّل بها شياطين إذا اختلط الظلام نادوا:
لا يخرج أحد من منزله حتى يصبح وإلّا هلك، وكان أوّل من عمل له ذلك.
وأمرهم أن يجتمعوا له، وجلس لهم فى مجلس عال مزيّن بأصناف الزينة وتجلّى لهم فى صورة هالتهم وملأت قلوبهم رعبا، فخرّوا على وجوههم ودعوا له. فأمر بإحضار الطعام والشراب فأكلوا وشربوا ورجعوا إلى مواضعهم ثم لم يروه بعد. وبلغ بكهانته ما لم يبلغه أحد من آبائه.
ثم ملك بعده عنقام «1» الكاهن؛ فعدل فيهم، وعمل مدينة عجيبة قرب العريش جعلها لهم حرسا. وقيل: إنّ إدريس عليه السلام رفع فى زمانه. قال: ويحكى عنه أهل مصر حكايات كثيرة تخرج عن العقول. وكان قد رأى فى علمه كون الطوفان، فأمر الشياطين التى تصحبه أن تبنى له مكانا خلف خطّ الأستواء بحيث لا يلحقه الفساد، فبنى له القصر الذى فى سفح جبل القمر، وهو قصر النحاس الذى فيه التماثيل، وهى خمسة وثمانون تمثالا، يخرج ماء النيل من حلوقها وينصبّ الى بطيحة.
ولمّا عمل له ذلك القصر أحبّ أن يراه قبل أن يسكنه، فجلس فى قبتّه وحملته الشياطين على أعناقها اليه. فلمّا رأى حكمة بنيانه وزخرفة حيطانه وما فيه من النقوش وصور الأفلاك والكواكب، وغير ذلك من صنوف العجائب- وكان يسرج بغير مصابيح، وتنصب فيه موائد يوجد عليها من كل الأطعمة ولا يدرى من يعملها، وكذلك الأشربة فى أوان، يستعمل منها ولا تنقص. وفى وسطه [بركة «2» ]

الصفحة 8