كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 15)

من ماء جامد الظاهر ترى حركته من وراء ما جمد منه، وأشياء كثيرة من هذا النوع وإن كانت تنبو عن العقول- أعجبه ما رأى، ورجع الى مصر فاستخلف ابنه عرناق وأوصاه بما يريده وقلّده الملك، ورجع الى ذلك القصر فأقام به حتى هلك هناك.
واليه تعزى مصاحف القبط التى فيها تواريخهم وجميع ما يجرى الى آخر الزمان.
قالوا: ولم تطل مدّة ملكه.
ثم ملك بعده ابنه عرناق بن عنقام «1» . ملك بعد أبيه وعمل عجائب كثيرة، منها شجرة صفر فيها أغصان حديد بخطاطيف حادّة اذا تقرّب منها الظالم والكاذب تقرّبت اليه تلك الخطاطيف فتعلّقت به وشكّت بدنه ولم تفارقه حتى يحدّث عن نفسه بالصدق ويعترف بظلمه ويخرج عن ظلامة خصمه. وعمل صنما من صوّان أسود وسمّاه عبد قزويس «2» ، أى عبد زحل، فكانوا يحتكمون اليه، فمن زاغ عن الحقّ ثبت فى مكانه فلم يقدر على الخروج منه حتى ينصف من نفسه ولو أقام سنة أو أكثر.
ومن كانت له حاجة منهم أو طلب شيئا بخّر الصنم ليلا ونظر الى الكواكب وذكر اسم عرناق وتضرّع فيصبح وقد وجد حاجته على باب منزله. قال: وكان عرناق ربما حملته أطيار عظام وتمرّ به وهم يرونه. وكان ربما غضب على ناس فجعل ماءهم مرّا لا يذاق، وسلّط عليهم وحوش الأرض وسباعها وهوامّها. قال:
وتجرّأ على صيد السباع والوحوش، وعمل عجائب، منها أنه عمل شجرة من حديد ذات أغصان لطّخها بدواء مدبّر، فكانت تجتلب كل صنف من الوحش. قال:
وفى كتب المصريين أنّ هاروت وماروت كانا فى وقته وعلّما أهل مصر أصنافا من

الصفحة 9