كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 15)

وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)} [الزخرف: ١٣ - ١٤] اللَّهُمَّ! إِنا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى. وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى. اللَّهُمَّ! هَوِّنْ عَلَينَا سَفَرَنَا هذَا. وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ. اللَّهُمَّ! أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ
ــ
أي بمطيقين.
وقال الأخفش: ضابطين، وقال قتادة: مماثلين من القرن في القتال وهو المثل، ويحتمل أن يكون من المقارنة أي الملازمة، والمعنى هنا أي ما كُنَّا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا ({وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}) أي لراجعون للمحاسبة والمجازاة، وهذا تنبيه على المطالبة بالشكر على هذا التسخير قاله الأبي، وقال الشيخ عبد القادر الدهلوي رحمه الله تعالى في موضح القرآن إن فيه تذكير سفر الآخرة بسفر الدنيا وانتقالًا منه إليه اهـ، قال الأبي: وكذا يقوله من ركب سفينة بل هو أحرى، وكذا يقوله الراجل إلا أنه لا يقول ما يختص بالراكب كقوله: سبحان الذي سخر لنا هذا اهـ.
وفي روح البيان: قال العلماء: إذا ركب في السفينة أو الباخرة أو الطائرة أو السيارة قال: "بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم" ويقال عند النزول منها: "اللهم أنزلنا منزلًا مباركًا وأنت خير المنزلين" كما يدل عليه قصة ركوب نوح - عليه السلام - السفينة ونزوله عنها، قال القرطبي في تفسيره: علمنا الله سبحانه وتعالى ما نقول إذا ركبنا الدواب في هذه الآية وعرّفنا في آية أخرى على لسان نوح - عليه السلام - ما نقول إذا ركبنا السفن وغيرها من كل مركوب صناعي بحري أو بري أو جوي فكم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت "أي ألقته على وجهه" أو طاح عن ظهرها فهلك، وكم من راكب سفينة انكسرت به فغرق اهـ من تفسير حدائق الروح والريحان فمن أراد بسط الكلام في هذه الآية فليراجعه.
(اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا) الذي نحن في بدايته (البر) أي العمل الصالح والخلق الحسن (والتقوى) أي الخوف الحامل على التحرز من المكروه (و) نسألك (من العمل ما ترضاه) وتقبله منا (اللهم هوّن) أي سهل (علينا سفرنا هذا) الذي نحن في بدايته (واطوِ عنا) أي لف لنا (بُعده) أي مسافته البعيدة، وفي دعوات المشكاة والمشارق (واطو لنا) وهو أمر من الطي، قال ابن الملك: وهذا عبارة عن تيسر السير له بمنح القوة اهـ (اللهم أنت الصاحب) أي صاحبنا وحافظنا (في السفر) يقال: صحبك الله؛ أي حفظك؛

الصفحة 28