كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 15)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه وسلم عند الارتفاع استشعار لكبرياء الله تعالى وعندما يقع عليه العين من عظيم خلقه أنه أكبر من كل شيء وتسبيحه في بطون الأودية مستنبط من قصة يونس - عليه السلام - فإن بتسبيحه في بطن الحوت نجاه الله من الظلمات فسبح النبي صلى الله عليه وسلم في بطون الأودية لينجيه الله تعالى منها، وقيل: مناسبة التسبيح في الأماكن المنخفضة من جهة أن التسبيح هو التنزيه فناسب تنزيه الله تعالى عن صفات الانخفاض كما ناسب تكبيره عند الأماكن المرتفعة.
قوله: (آيبون) جمع آئب كراجع وزنًا ومعنى كما مر وهو خبر لمبتدإ محذوف تقديره نحن آيبون، وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة كذا في الفتح، وقال العيني: (آئبون) أي راجعون إلى الله، وفيه إيهام معنى الرجوع إلى الوطن اهـ، قوله: (تائبون) قال الحافظ: فيه إشارة إلى التقصير في العبادة، وقاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته كما تقدم، وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يكون منهم ذنب، قوله: (صدق الله وعده) أي فيما وعد به من إظهار دينه في قوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً} وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته لسفر الحج والعمرة قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} قال عياض: فهو تكذيب لقول المنافقين: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلا غُرُورًا} وقوله: (ونصر عبده) يريد نفسه، قوله: (وهزم الأحزاب وحده) أي من غير فعل أحد من الآدميين، واختلف في المراد بالأحزاب هنا فقيل: هم كفار قريش ومن وافقهم من العرب واليهود الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزلت في شأنهم سورة الأحزاب، وقيل: المراد ما هو أعم من ذلك، وقال النووي: المشهور الأول.
وفي الحديث من الفقه استعمال حمد الله تعالى والإقرار بنعمه والخضوع له والثناء عليه عند القدوم من الحج والجهاد على ما وهب من تمام المناسك وما رزق من النصر على العدو والرجوع إلى الوطن سالمين، وكذلك إحداث حمد الله تعالى والشكر له على ما يحدث لعباده من نعمه فقد رضي عن عباده الإقرار له بالوحدانية والخضوع له بالربوبية

الصفحة 34