كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 15)

وَسَلَّطَ عَلَيهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأحَدٍ كَانَ قَبْلِي. وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأحَدٍ بَعْدِي. فَلَا يُنَفَّرُ صَيدُهَا. وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا. وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ
ــ
يقدروا عليه واستقبلوا به جهة مكة فامتنع فلم يزالوا به هكذا حتى رماهم الله بالحجارة التي أرسل الطير بها على ما هو مذكور في السير وفي كتب التفسير اهـ مفهم (وسلط عليها رسوله) صلى الله عليه وسلم (و) سلط عليها (المومنين وإنها) أي وإن مكة الن تحل لأحد كان قبلي) الصواب كما في رواية القرطبي لم تحل لأحد قبلي لأن لن لنفي المستقبل فليس المقام لها بل المقام مقام لم الموضوعة لنفي الماضي كما هو مقرر في علم النحو (وإنها) أي وإن مكة (أُحلت لي ساعة من نهار) قال في المرقاة: دل على أن فتح مكة كان عنوة وقهرًا كما هو عند الأحناف؛ أي أحل لي ساعة أي زمانًا قليلًا إراقة الدم دون الصيد وقطع الشجر اهـ (وإنها لن تحل لأحد بعدي) قال ابن بطال: المراد به الإخبار عن الحكم في ذلك لا الإخبار بما سيقع لوقوع خلاف ذلك في الشاهد كما وقع من الحجاج وغيره اهـ ومحصله أنه خبر بمعنى النهي بخلاف قوله لم تحل لأحد كان قبلي فإنه خبر محض أو معنى قوله ولا تحل لأحد بعدي أي لا يحلها الله بعدي لأن النسخ ينقطع بعده لكونه خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وعليهم (فلا ينفر صيدها) أي لا يتعرض له بالاصطياد والإيحاش والإيهاج (ولا يختلى) أي لا يقطع (شوكها) وذكر الشوك دال على منع قطع غيره من باب أولى (ولا تحل ساقطتها) أي لا يحل التقاط لقطتها (إلا لمنشد) أي معرف على الدوام، والمراد بالساقطة اللقطة كما هو الرواية فيما سبق ومعنى الساقطة ما سقط فيها بغفلة مالكه، والهاء فيها للاسمية كما في فاطمة بخلافها في قولهم (لكل ساقطة لاقطة) فإن المراد بالساقطة فيه الكلمة يضرب في التحفظ عند النطق، وأراد بالمنشد المعرِّف، قال العيني: يقال: نشدت الضالة إذا طلبتها، والناشد الطالب، وأنشدتها إذا عرفتها، وأصل الإنشاد رفع الصوت، ومنها إنشاد الشعر اهـ والمعنى أي لا يلتقطها أحد إلا من عرفها ليردها على صاحبها ولم يأخذها لنفسه وانتفاعها، قيل: أي ليس في لقطة الحرم إلا التعريف فلا يتملكها أحد ولا يتصدق بها وعليه الشافعي، وقيل حكمها كحكم غيرها والمقصود حينئذٍ من ذكرها أن لا يتوهم تخصيص تعريفها بأيام الموسم وعليه أبو حنيفة ومن تبعه اهـ من العون.

الصفحة 76