كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 15)

أَكُلَّ عَامٍ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! فَسَكَتَ. حَتَّى قَالهَا ثَلَاثًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ. لَوَجَبَتْ. وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ". ثُمَّ قَال: "ذَرُونِي
ــ
(أ) فرض علينا أن نحج (كل عام يَا رسول الله) فالظرف متعلق بفعل محذوف بعد الهمزة؛ أي أتأمرنا أن نحج في كل عام أو أفرض علينا أن نحج كل عام، قاله قياسًا على ما تكرر من العبادات كالصوم والزكاة، فإن الأول عبادة بدنية، والثاني طاعة مالية؛ والحج مركب منهما، قال النووي: واختلف الأصوليون في أن الأمر هل يقتضي التكرار؟ والصحيح عند أصحابنا لا يقتضيه، والثاني يقتضيه، والثالث يتوقف فيما زاد على مرة على البيان فلا يحكم باقتضائه ولا بمنعه، وهذا الحديث قد يستدل به من يقول بالتوقف لأنه سأل فقال: أكل عام؟ ولو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه لم يسأل، ولقال له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى السؤال بل مطلقه محمول على كذا اهـ قال في المرقاة: والأظهر أن مبنى السؤال قياسه على سائر الأعمال من الصلاة والصوم وزكاة الأموال، ولم يدر أن تكراره كل عام بالنسبة إلى جميع المكلفين من جملة المحال كما لا يخفى على أهل الكمال ا. هـ.
(فسكت) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن جوابه زجرًا له عن السؤال الذي كان السكوت عنه أولى لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يسكت عما تحتاج الأمة إلى كشفه، فالسؤال عن مثله تقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نهوا عنه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} والإقدام عليه ضرب من الجهل (حتَّى قالها) أي حتَّى قال السائل تلك الكلمة. التي تكلمها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت) في جواب السؤال فرضًا وتقديرًا، ولا يبعد أن يكون سكوته صلى الله عليه وسلم انتظارًا للوحي أو للإلهام (نعم، لوجبت) الحجة كل سنة، والضمير في وجبت للحج وتأنيثه باعتبار كونه عبادة أو حجة، قال ابن الملك: احتج به من قال: الحكم مفوض إلى رأيه صلى الله عليه وسلم ولا يشترط فيه أن يكون بوحي نازل اهـ قال الحافظ: واستدل به على أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في الأحكام لقوله: "لو قلت نعم لوجبت" وأجاب من منع باحتمال أن يكون أُوحي إليه ذلك في الحال اهـ (ولما استطعتم) بإعادة اللام الجوابية؛ أي ولما أطقتم وقدرتم كلكم إتيان الحج في كل عام، ولا يكلف الله نفسًا إلَّا وسعها (ثم قال) صلى الله عليه وسلم: (ذروني) أي

الصفحة 8