كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 16)

منها أتمّتْ لنفسها بعد أن صلَّت معه - صلى الله عليه وآله وسلم - ركعتين. وقوله: «إنه كان له - صلى الله عليه وآله وسلم - أربع، ولهم ركعتان ركعتان» يُحمَل على ما كان في الجماعة، فأربعتُه - صلى الله عليه وآله وسلم - كلُّها كانت في الجماعة، وأما أصحابه فإنما كان لكلٍّ منهم في الجماعة ركعتان فقط، فأمّا ركعتاهم الأخرى فإنما أتمُّوها لأنفسهم.
الوجه الثاني: أن يكون - صلى الله عليه وآله وسلم - أتمَّ، وقَصَروا.
الوجه الثالث: أن يكون - صلى الله عليه وآله وسلم - قَصَر وقَصروا، ولكنه أعاد صلاته، صلَّى بهؤلاء صلاةً كاملة، وبهؤلاء صلاةً كاملة.
أما الوجه الأول: فلم يذهب إليه أحدٌ فيما أعلم؛ لأنه قد ثبت من حديث عائشة وغيرها أن الصلاة كانت قبل الهجرة ركعتين ركعتين، فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أُتِمَّتْ صلاة الحضر، وبقيتْ صلاة السفر على ما كانت قبل (¬١).
وعلى هذا، فيتعين حملُ القصر الذي وقع في رواية قتادة عن سليمان بن قيس: «أنه إنما نزل يومئذٍ» على قصر آخر، وقد حمل جماعة من الصحابة، فمن بعدَهم القصرَ في الآية ــ وهو قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ــ على قصرٍ آخر خاصّ بالخوف، فمنهم من قال بقصر الصلاة في الخوف إلى ركعة، ومنهم من قال: المراد بالقصر قصر الصِّفة.
وقد يقال: هو القصر إلى ركعة، ولكن بالنظر إلى الجماعة.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٣٥٠، ٣٩٣٥) ومسلم (٦٨٥) عن عائشة. وفي الباب عن ابن عباس عند مسلم (٦٨٧)، وعن أبي هريرة عند أحمد في «المسند» (٩٢٠٠).

الصفحة 189