كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 16)

إذا تأمَّلتَ ما ذُكِرَ علمتَ أنَّ الظَّاهِرَ [ص ٨] أنَّ الإبراد بالجمعة سُنَّة، وأنَّه لا يُنافي ندبَ التنفُّل قبلها إلى أن يخرج الإمام، وحينئذٍ فيكون تأخير الأذان مع الإبراد بالجمعة إلى خروج الإمام كتأخيره في الظُهر إلى البرد، فقد ثبت الأمرُ بذلك في «الصحيحين» (¬١) عن أبي ذرّ قال: «أذن مؤذّن النَّبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الظهر، فقال: أبرِدْ أبرِدْ، أو قال: انتظِرْ انتظِرْ ... » الحديث.
فالسُنَّة في الظهر أن يؤذَّن لها إذا أُريد حضورُ المُصَلِّين، وهو يختلف باختلاف الحر والبرد. والسُنَّة في الجُمعة أن يؤذَّن لها إذا خرج الخطيب، وهو يختلف باختلاف الحر والبرد أيضًا.
إذا تقرَّر ما ذُكِر فاعلم أنَّ تأخير أذان الجُمعة إلى خروج الخطيب دليلٌ ظاهرٌ على أنَّه ليس للجُمعة سُنَّة قبلية؛ لأنَّ صلاتها بعد خروج الخطيب ممنوع.
فلو كانت ثابتةً لسُنَّ الأذان قبل خروج الخطيب حتى يتمكَّن النّاس من فعلها بعد الأذان؛ عملًا بحديث «الصحيحين» (¬٢) وغيرهما عن عبدالله بن مغفَّل المُزَني رضي الله عنه أنّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «بين كلِّ أذانينِ صلاة، ثلاثًا، لمن شاء».
وقد حمل الأئمة هذه الصلاة على الرَّواتب القبليَّة. وعليه، فيكون وقتها ــ أي الرَّواتب القبليَّة ــ بين الأذان والإقامة، فلو قُدِّمَت لم تقع الموقع.
فتأمَّل هذا تَجِدْهُ ظاهرًا في نفي أنْ تكون للجُمعة سُنَّة قبلِيَّةٌ.
---------------
(¬١) البخاري (٥٣٥) ومسلم (٦١٦).
(¬٢) البخاري (٦٢٤) ومسلم (٨٣٨).

الصفحة 347