كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 16)

الشيخين (¬١) عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه إذا أَخْبِيةٌ: خِباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، فقال: "آلبرَّ تقولون بهن؟ " ثم انصرف فلم يعتكف، حتى اعتكف عشرًا من شوال.
قال الشرقاوي (¬٢): وعند مسلم: "حتى اعتكف العشر الأُول من شوال" وفيه دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم، لأن أول شوال يوم العيد، وصومه حرام. واعتُرِض بأن المعنى كان ابتداؤه في العشر الأول [ص ٢] وهو صادق بما إذا ابتدأ باليوم الثاني، فلا دليل فيه لما قاله.
قلت: ولسقوط هذا الاعتراض ــ كما لا يخفى على الناظر ــ لم يعتبره علماؤنا، ولا عدُّوه قادحًا، فهم يستدلّون بالحديث المذكور غيرَ ملتفتين إلى ذلك الاعتراض، وقد يَستبعدُ اعتكافَه - صلى الله عليه وسلم - ليوم العيد مَن يَقيسُه على أبناء زماننا في جَعْله يومَ العيد يومَ راحةٍ ورفاهية، وراحةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلوةُ بمولاه، كما كان يقول: "يا بلالُ، أَرِحْنا بالصلاة" (¬٣). والظاهر أنه اعتكف من ليلة العيد، ثم خرج لصلاة العيد، وعاد وأكمل العَشْر.
ومن الأدلة: حديث "الصحيحين" (¬٤) عن عمر رضي الله عنه أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كنت نذرتُ في الجاهلية أن اعتكف ليلةً في المسجد الحرام،
---------------
(¬١) البخاري (٢٠٣٤) ومسلم (١١٧٣).
(¬٢) "فتح المبدي" (٢/ ١٧٠).
(¬٣) أخرجه أحمد (٢٣٠٨٨) وأبو داود (٤٩٨٥) من طريق سالم بن أبي الجعد عن رجلٍ من أسلم مرفوعًا. وفي إسناده اختلاف، انظر "العلل" للدارقطني (٤/ ١٢١ - ١٢٢).
(¬٤) البخاري (٢٠٤٢) ومسلم (١٦٥٦).

الصفحة 425