كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 16)

تُستقبل القبلةُ ببولٍ ولا غائطٍ إلا عند البناء: جدارٍ أو نحوه".
وبسط الحافظ في "الفتح" (¬١) الكلام على ذلك بما لا أرى تحته طائلًا، فإن المتبادر من الحديث أن قوله: "إذا أتى أحدكم الغائط" إنما هو كناية عن إرادة قضاء الحاجة، كما أن قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} كناية عن الحدث.
فحاصل معنى الجملة: إذا أراد أحد منكم أن يقضي حاجته، والمعتبر في الكنايات هو المعنى، ولا يفهم منها موافقة الحقيقة ولا مخالفتها، كما في قولنا: "يد السلطان طويلة" فإنما فيها أنه يقدر على تنفيذ إرادته فيمن يبعد عنه، ولا يفهم من ذلك طول الجارحة البتة.
فإن قيل: فعلى هذا لا يظهر لهذه الجملة فائدة، إذ لو تُرِكتْ واقتُصِر على قوله: "لا يستقبل أحد منكم القبلة ... " لكان المقصود واضحًا.
قلت: من فائدتها التنبيه على أنه ينبغي النظر قبل الجلوس حتى لا يغفل قاضي الحاجة عن التحري، أو يحتاج إلى الاستدارة بعد جلوسه، وقد لا يمكنه ذلك.
نعم، في شرح الموطأ للباجي (¬٢) ما يتحصل منه دعوى أن هذه العبارة إنما تكون كنايةً عن الخِراءة.
أولًا: لأن الشارع لا يستنكر التصريح بالبول، بل جاء: "لا يقلْ أحدكم:
---------------
(¬١) (١/ ٢٤٥).
(¬٢) "المنتقى" (٢/ ٣٩٠) ط. دار الكتب العلمية.

الصفحة 52