كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 17)

وعن سعد بن أبي وقّاص قال: مرضتُ عامَ الفتح مرضًا أَشْفَيْتُ [منه] على الموت، فأتاني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يعودني، فقلتُ: يا رسولَ الله، إنّ لي مالاً كثيرًا وليس يَرِثني إلا ابنتي، أفأُوصي بمالي كلِّه؟ قال: لا، قلت: فثُلثَي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلتُ: فالثلث؟ قال: "الثلث، والثلث كثير، إنك أن تَذَرَ ورثتَك أغنياءَ خيرٌ من أن تَذَرَهم عالةً يتكفَّفُون الناسَ" متفق عليه (¬١).
فسعدٌ سأل عن الوصية لغير الورثة، ولم يتعرض لذكر الورثة، فلو كان حكم الوصية التوريثية باقيًا لما سكت عن ذلك، ولمَا أقرَّه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
وفي رواية الترمذي (¬٢) عن سعد قال: عادني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنا مريض، فقال: "أوصيتَ؟ " قلت: نعم، قال: "بكم؟ " قلت: بمالي كلِّه في سبيل الله، قال: "فما تركت لولدِك؟ " قلت: هم أغنياء بخير، فقال: "أَوصِ بالعُشر" فما زلتُ أناقِصُه حتى قال: "أوصِ بالثلث، والثلث كثير".
ففيها أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سألَه أوصيتَ، ففهمَ سعد أن المراد الوصية لغير الورثة، كما يدلُّ جوابُه، ولو كانت الوصية للورثة باقيةً لكانت أول ما يتبادر إلى ذهنه.
وعن النعمان بن بشير قال: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطيةً، فأمرتْني أن أُشْهِدَك يا رسولَ الله، قال: "أعطيتَ سائرَ ولدِك مثلَ هذا؟ " قال: لا، قال: "فاتقوا الله واعدِلوا بين
---------------
(¬١) البخاري (٦٧٣٣) ومسلم (١٦٢٨).
(¬٢) رقم (٩٧٥).

الصفحة 766