كتاب تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (اسم الجزء: 2)

: 20] . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 136] . إِلَى قَوْلِهِ: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137] . فَحَكَمَ اللَّهُ بِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ آمَنَ فَقَدِ اهْتَدَى فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ ذَكَرْنَا تَمَامَ الْحُجَّةِ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِيمَانُ وَأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ، وَلَا يَتَبَايَنَانِ مِنَ الْكِتَابِ وَالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا، فَتَرَكْنَا إِعَادَتَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَرَاهِيَةَ التَّطْوِيلِ وَالتَّكْرِيرِ غَيْرَ أَنَّا سَنَذْكُرُ هَهُنَا مِنَ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ نَذْكُرُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَنُبَيِّنُ خَطَأَ تَأْوِيلِهِمْ، وَالْحُجَجَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالْأَخْبَارِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِيمَانُ
589 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {§لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} [الحجرات: 17] قَالَ: مَنُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءُوا فَقَالُوا: إِنَّا أَسْلَمْنَا بِغَيْرِ قِتَالٍ، لَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ بَنُو فُلَانٍ وَبَنُو فُلَانٍ، وَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17] "
590 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ، ثنا أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ، ثنا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ: {§يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: 17]
-[532]- ، إِنَّهُمْ أَعْرَابُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْنَاكَ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَتَرَكْنَا الْعَشَائِرَ وَالْأَمْوَالَ، وَكُلُّ قَبِيلَةٍ مِنَ الْأَعْرَابِ قَاتَلَتْكَ حَتَّى دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ كَرْهًا، فَلَنَا عَلَيْكَ حَقٌّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ -[533]-: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17] فَلَهُ لِذَلِكَ الْمَنُّ عَلَيْكُمْ {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23] وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَيُقَالُ فِي الْكَبَائِرِ الَّتِي حَتَمَتْ بِنَارٍ: كُلُّ مُوجِبَةٍ مَنْ رَكِبَهَا وَمَاتَ عَلَيْهَا لَمْ يَتُبْ مِنْهَا " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] الآية وَقَالَ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] فَسَمَّى إِقَامَ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ دِينًا قَيِّمًا، وَسَمَّى الدِّينَ إِسْلَامًا، فَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ فَقَدْ تَرَكَ مِنَ الدِّينِ الْقَيِّمِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ الدِّينُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ بَعْضًا. وَقَدْ جَامَعَتْنَا هَذِهِ الطَّائِفَةُ الَّتِي فَرَّقَتْ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَقَدْ سَمَّاهُمَا اللَّهُ دِينًا وَأَخْبَرَ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِيمَانَ، وَسَمَّى الْإِيمَانَ بِمَا سَمَّى بِهِ الْإِسْلَامَ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِقْرَارُ، وَأَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ مِنْهُ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ إِذْ زَعَمَتْ أَنَّ الْإِيمَانَ إِقْرَارٌ -[534]- بِمَا عَمِلَ. فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ لَا يَفْتَرِقَانِ فَمَنْ صَدَّقَ اللَّهَ فَقَدْ آمَنَ بِهِ، وَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ فَقَدْ خَضَعَ لِلَّهِ، وَقَدْ أَسْلَمَ لِلَّهِ، وَمَنْ صَامَ، وَصَلَّى، وَقَامَ بِفَرَائِضِ اللَّهِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ الْمُفْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَرَكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَنْ يَزُولَ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ، وَلَا -[535]- الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنَّهُ أَنْقَصُ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ مِنَ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ اللَّهَ وَمَا قَالَ حَقٌّ لَا بَاطِلٌ، وَصِدْقٌ لَا كَذِبٌ، وَلَكِنْ يَنْقُصُ مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ تَعْظِيمٌ لِلْقَدْرِ خُضُوعٌ لِلْهَيْبَةِ وَالْجَلَالِ، وَالطَّاعَةِ لِلْمُصَدِّقِ بِهِ وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَمِنْ ذَلِكَ يَكُونُ النُّقْصَانُ لَا مِنْ إقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ حَقٌّ وَمَا قَالَهُ صِدْقٌ. قَالُوا: وَمِمَّا يَدُلُّكُ عَلَى تَحْقِيقِ قَوْلِنَا أَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ قَدْ جَامَعَنَا أَنَّ مَنْ أَتَى الْكَبَائِرَ الَّتِي اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِرُكُوبِهَا لَنْ يَزُولَ عَنْهُ اسْمُ الْإِسْلَامِ، وَشَرٌّ مِنَ الْكَبَائِرِ وَأَعْظَمُهُمْ رُكُوبًا لَهَا مَنْ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ، فَهُمْ يَرْوُونَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُثْبِتُونَهُ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَمِثْقَالُ بُرَّةٍ وَمِثْقَالُ شَعِيرَةٍ» فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ فِيَ قُلُوبِهِمْ إِيمَانًا أُخْرِجُوا بِهَا مِنَ النَّارِ، وَهُمْ أَشَرُّ أَهْلِ التَّوْحِيدِ الَّذِينَ لَا يَزُولُ فِي قَوْلِنَا وَفِي قَوْلِ مَنْ خَالَفَنَا عَنْهُمُ اسْمُ الْإِسْلَامِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مَنْ فِي قَلْبِهِ إِيمَانٌ يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْخُرُوجَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَدُخُولَ الْجَنَّةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ بِاللَّهِ إِذْ لَا جَائِزَ أَنْ يَفْعَلَ الْإِيمَانَ الَّذِي يُثَابُ عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، كَمَا لَا جَائِزَ أَنْ يَفْعَلَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ مَنْ لَيْسَ بِكَافِرٍ

الصفحة 531