كتاب تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (اسم الجزء: 2)

§أَمْرُ الْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ مِنَ الْأَمْرِ مَخْرَجُهُ وَلَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى إِبَاحَةٌ وَإِحْلَالٌ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ حَظَرَ الصَّيْدَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا حُرُمًا، ثُمَّ أَطْلَقَهُ لَهُمْ بَعْدَ الْإِحْلَالِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِتْيَانَ الْجُمُعَةِ، وَحَظَرَ عَلَيْهِمُ الْبَيْعَ بِقَوْلِهِ: {وَذَرُوُا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ثُمَّ أَطْلَقَ لَهُمْ إِذَا هُمْ قَضَوُا الصَّلَاةَ مَا كَانَ حَظَرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ لَهُ لِأَنَّ الْأَوَامِرَ وَاحِدَةٌ وَمَعَانِيهَا مُخْتَلِفَةٌ
§أَمْرُ الدُّعَاءِ وَنَوْعٌ خَامِسٌ: لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الدُّعَاءِ مِنْ ذَلِكَ دُعَاءُ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَهَذَا لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَمَسْأَلَةٌ.
§أَمْرُ السُّؤَالِ. وَنَوْعٌ سَادِسٌ: لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى السُّؤَالِ، وَلَا يُسَمَّى دُعَاءً، مِنْ ذَلِكَ سُؤَالُ الرَّجُلِ أَخَاهُ الشَّيْءَ -[560]- فَيَقُولُ: أَعْطِنِي كَذَا، تَصَدَّقْ عَلَيَّ بِكَذَا، هَبْ لِي بِكَذَا، فَهَذَا لَفْظُهُ لَفْظُ أَمْرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ سُؤَالُ الرَّجُلِ أَخَاهُ عَنْ حَالِهِ فَيَقُولُ: أَنَا بِخَيْرٍ، فَيَقُولُ: كُنْ بِخَيْرٍ جَعَلَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَقَوْلُهُ: كُنْ بِخَيْرٍ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ لَهُ.

الصفحة 559