كتاب تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (اسم الجزء: 2)

إِلَّا بِإِرَادَتِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ قَوْلُ مُوسَى لِلسَّحَرَةِ: {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [يونس: 80] أَيِ الْعَاقِبَةُ يَكُونُ لِي، وَعَلَيْكُمْ يَكُونُ الدَّائِرَةُ ثِقَةً مِنْهُ بِرَبِّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ.
§أَمْرُ التَّهَدُّدِ وَالْوَعِيدِ. وَوَجْهٌ آخَرُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّهَدُّدُ وَالْوَعِيدُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعَبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15] . وَقَوْلُهُ: {قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} وَقَوْلُهُ لِإِبْلِيسَ: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء: 64] . وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] كُلُّ هَذَا عَلَى الْوَعِيدِ، وَالتَّغْلِيظِ تَحْذِيرًا، وَتَهْدِيدًا لَا عَلَى أَمْرِ التَّعَبُّدِ، وَلَا عَلَى الْإِبَاحَةِ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ» .
608 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا وَكِيعٌ، ثنا طَعْمَةُ الْجَعْفَرِيُّ، عَنْ -[565]- عُمَرَ بْنِ بَيَانٍ التَّغْلِبِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ» قَالَ وَكِيعٌ: يُقَصِّبُهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَوْلُهُ فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ ظَاهِرُهُ أَمْرٌ، وَبَاطِنُهُ نَهْيٌ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] لَيْسَ هُوَ أَمْرُ تَعَبُّدٍ لَهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَوْ قَالُوهُ مَا كَانُوا مُطِيعِينَ وَكَانُوا كَالَّذِينَ قَالَ: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46] فَقَعَدُوا وَلَمْ يَكُونُوا مُطِيعِينَ بِالْقُعُودِ لِأَنَّ قُعُودَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ، وَكَذَلِكَ أُولَئِكَ لَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُ لِلَّهِ، وَلَوْ كَانُوا أَسْلَمُوا -[566]- لِلَّهِ مُخْلِصِينَ لَهُ دِينَهُمْ، ثُمَّ قَالُوا: أَسْلَمْنَا لَكَانُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ مُؤْمِنِينَ بِهِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامَ لِلَّهِ لَا يَفْتَرِقَانِ

الصفحة 564