كتاب السنة لعبد الله بن أحمد (اسم الجزء: 1)

817 - حَدَّثَنِي أَبِي، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «§الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ»
818 - قَالَ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ: قَرَأَ أَوَّلَ الْأَنْفَالِ حَتَّى بَلَغَ {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 4] ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ: «إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُخْبِرُكَ أَنَّ §الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ مُؤْمِنًا حَقًّا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ حَقًّا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَهُوَ شَاكٌّ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُكَذِّبٌ بِهِ أَوْ جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ، فَمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ حَقًّا مُسْتَكْمِلُ الْإِيمَانِ وَلَا يُسْتَكْمَلُ الْإِيمَانِ إِلَّا بِالْعَمَلِ وَلَنْ يَسْتَكْمِلَ عَبْدٌ -[375]- الْإِيمَانَ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَقًّا حَتَّى يُؤْثِرَ دِينَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ، وَلَنْ يَهْلِكَ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْثِرَ شَهْوَتَهُ عَلَى دِينِهِ، يَا سَفِيهُ مَا أَجْهَلَكَ لَا تَرْضَى أَنْ تَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ حَتَّى تَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا مُسْتَكْمِلُ الْإِيمَانِ، وَاللَّهِ لَا تَكُونُ مُؤْمِنًا حَقًّا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ حَتَّى تُؤَدِّيَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ وَتَجْتَنِبَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَتَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ، ثُمَّ تَخَافُ مَعَ هَذَا أَنْ لَا يَقْبَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْكَ» وَوَصَفَ فُضَيْلٌ الْإِيمَانَ بِأَنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَقَرَأَ {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دِينًا قِيمَةً بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، فَالْقَوْلُ: الْإِقْرَارُ بِالتَّوْحِيدِ وَالشَّهَادَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَلَاغِ، وَالْعَمَلُ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ، وَقَرَأَ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] فَالدِّينُ التَّصْدِيقُ بِالْعَمَلِ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَكَمَا أَمَرَ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ بِإِقَامَتِهِ: وَالتَّفَرُّقُ فِيهِ تَرْكُ الْعَمَلِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11] فَالتَّوْبَةُ مِنَ الشِّرْكِ جَعَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلًا وَعَمَلًا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْي: لَيْسَ الصَّلَاةُ وَلَا الزَّكَاةُ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْفَرَائِضِ مِنَ الْإِيمَانِ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَخِلَافًا لِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كَانَ الْقَوْلُ كَمَا يَقُولُونَ لَمْ يُقَاتِلْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَهْلَ الرِّدَّةِ "، وَقَالَ الْفُضَيْلُ رَحِمَهُ اللَّهُ: " يَقُولُ أَهْلُ الْبِدَعِ: الْإِيمَانُ الْإِقْرَارُ بِلَا عَمَلٍ وَالْإِيمَانُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ بِالْأَعْمَالِ، وَلَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْإِيمَانِ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ الْأَثَرَ وَرَدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى -[376]- عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» وَتَفْسِيرُ مَنْ يَقُولُ الْإِيمَانُ لَا يَتَفَاضَلُ يَقُولُ: إِنَّ الْفَرَائِضَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ، فَمَيَّزَ أَهْلُ الْبِدَعِ الْعَمَلَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَقَالُوا: إِنَّ فَرَائِضَ اللَّهِ لَيْسَ مِنَ الْإِيمَانِ وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ جَاحِدًا لِلْفَرَائِضِ، رَادًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَهُ، وَيَقُولُ أَهْلُ السُّنَّةِ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَرَنَ الْعَمَلَ بِالْإِيمَانِ وَأَنَّ فَرَائِضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْإِيمَانِ، قَالُوا {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [محمد: 2] فَهَذَا مَوْصُولُ الْعَمَلِ بِالْإِيمَانِ وَيَقُولُ أَهْلُ الْإِرْجَاءِ: إِنَّهُ مَقْطُوعٌ غَيْرُ مَوْصُولٍ، وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء: 124] فَهَذَا مَوْصُولٌ وَأَهْلُ الْإِرْجَاءِ يَقُولُونَ بَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ، وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء: 19] فَهَذَا مَوْصُولٌ وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: هُوَ مَوْصُولٌ مُجْتَمِعٌ , وَأَهْلُ الْإِرْجَاءِ يَقُولُونَ هُوَ مَقْطُوعٌ مُتَفَرِّقٌ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ لَكَانَ مَنْ عَصَى وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ وَالْمَحَارِمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَكَانَ إِقْرَارُهُ يَكْفِيهِ مِنَ الْعَمَلِ، فَمَا أَسْوَأَ هَذَا مِنْ قَوْلٍ وَأَقْبَحَهُ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " وَقَالَ فُضَيْلٌ: «أَصْلُ الْإِيمَانِ عِنْدَنَا وَفَرْعُهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَالتَّوْحِيدِ وَبَعْدَ الشَّهَادَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَلَاغِ وَبَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ صِدْقُ الْحَدِيثِ، وَحِفْظُ الْأَمَانَةِ، وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ، وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَالنَّصِيحَةُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَالرَّحْمَةُ لِلنَّاسِ عَامَّةً»، قِيلَ لَهُ يَعْنِي فُضَيْلًا هَذَا مِنْ رَأْيِكَ تَقُولُهُ أَوْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمِعْنَاهُ وَتَعَلَّمْنَاهُ، وَلَوْ لَمْ آخُذْهُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْفَضْلِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِهِ "، وَقَالَ فُضَيْلٌ: " يَقُولُ أَهْلُ الْإِرْجَاءِ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ وَيَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ: الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ بِلَا قَوْلٍ وَلَا عَمَلٍ، وَيَقُولُ أَهْلُ السُّنَّةِ: الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ وَالْقَوْلُ وَالْعَمَلُ، فَمَنْ قَالَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ فَقَدْ أَخَذَ بِالْوَثِيقَةِ، وَمَنْ قَالَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ فَقَدْ خَاطَرَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُقْبَلُ إِقْرَارُهُ أَوْ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِذُنُوبِهِ "، وَقَالَ يَعْنِي فُضَيْلًا: قَدْ بَيَّنْتُ لَكَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَعْمَى "، وَقَالَ فُضَيْلٌ: " لَوْ قَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ أَنْتَ؟ مَا كَلَّمْتُهُ مَا عِشْتُ، وَقَالَ: إِذَا قُلْتَ آمَنْتُ -[377]- بِاللَّهِ فَهُوَ يَجْزِيكَ مِنْ أَنْ تَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ، وَإِذَا قُلْتَ: أَنَا مُؤْمِنٌ لَا يَجْزِيكَ مِنْ أَنْ تَقُولَ آمَنْتُ بِاللَّهِ، لِأَنَّ آمَنْتُ بِاللَّهِ أَمْرٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] الْآيَةَ، وَقَوْلُكَ أَنَا مُؤْمِنٌ تَكَلُّفٌ لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَقُولَهُ وَلَا بَأْسَ إِنْ قُلْتَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِقْرَارِ وَأَكْرَهُهُ عَلَى وَجْهِ التَّزْكِيَةِ "، وَقَالَ فُضَيْلٌ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى إِلَى هَذِهِ الْقِبْلَةِ فَهُوَ عِنْدَنَا مُؤْمِنٌ وَالنَّاسُ عِنْدَنَا مُؤْمِنُونَ بِالْإِقْرَارِ وَالْمَوَارِيثِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَالْحُدُودِ وَالذَّبَائِحِ وَالنُّسُكِ وَلَهُمْ ذُنُوبٌ وَخَطَايَا اللَّهُ حَسِيبُهُمْ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ، وَلَا نَدْرِي مَا هُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ فُضَيْلٌ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةِ الضَّبِّيَّ يَقُولُ: مَنْ شَكَّ فِي دِينِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَأَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ فُضَيْلٌ: «الِاسْتِثْنَاءُ لَيْسَ بِشَكٍّ» وَقَالَ فُضَيْلٌ: " الْمُرْجِئَةُ كُلَّمَا سَمِعُوا حَدِيثًا فِيهِ تَخْوِيفٌ، قَالُوا: هَذَا تَهْدِيدٌ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَخَافُ تَهْدِيدَ اللَّهِ وَتَحْذِيرَهُ وَتَخْوِيفَهُ وَوَعِيدَهُ وَيَرْجُو وَعْدَهُ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ لَا يَخَافُ تَهْدِيدَ اللَّهِ وَلَا تَحْذِيرَهُ وَلَا تَخْوِيفَهُ وَلَا وَعِيدَهُ وَلَا يَرْجُو وَعْدَهُ "، وَقَالَ فُضَيْلٌ: «الْأَعْمَالُ تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ، وَالْأَعْمَالُ تَحُولَ دُونَ الْأَعْمَالِ»

الصفحة 374