كتاب شرح مسند أبي حنيفة (اسم الجزء: 1)

غدا مذهب النعمان خير المذاهب ... فذا القمر الوضّاح خير الكواكب
ثلاثة آلاف وألف شيوخه ... وأصحابه مثل النجوم الثواقب
فإن قلت: مشايخ البخاري ربما بلغ عشرة آلاف فلا تفاضل.
قلت: ليس من يروى عنه الحديث كمن يروى عنه الفقه، فإن الذي يروى عنه الفقه لا بد أن يكون فقيهاً عالماً، والذي يروى عنه الحديث: لا يلزم أن يكون بهذه الصفة حتى كثر رواة الحديث وقل الفقهاء (¬1).
والحاصل (¬2) أن أكثر مشايخ الإمام كانوا جامعين بين الرواية والدراية، وأكثر مشايخ البخاري بارز بعلو الإسناد في الرواية، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى الأحسن في الوعاية حيث قال: "نَضَّر الله امرءٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاها وأدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا فَرُبَّ حَامِلَ فِقهٍ غَيرَ فَقِيهٍ، ورُبَّ حَامِل فِقهٍ إلى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ" رواه الترمذي وغيره عن زيد بن ثابت. وقد ذكر الإمام النسفي صاحب المنظومة بإسناده إلى محمد بن سلمة قال: خرجت إلى البصرة في طلب الحديث فأخرج شيخ مسند الإمام وأملى فامتنع بعضهم عن الكتابة فأمسك الشيخ أياماً عن الحديث ثم قال: أدركت مجلسه وكان يحضره فلان وفلان وهؤلاء يكتبون حديثه فتشفعنا إليه بالله تعالى حتى حدثنا بأحاديث قيل وكان امتناع المتعنت عن الكتابة بناء على ظن أن الإكثار من الفقه يخل بحفظ الحديث فجعل المنقبة مثلبة، ثم هذا المسند المعتمد لم يذكر إلا بعض مشايخه الكرام من المحدثين الأعلام، ولهذا قال جامعه: ذكر إسناده (عن حماد بن أبي سليمان مسلم الأشعري) قال العلامة الكردري في مناقب الإمام، فذكر مشايخ الكرام حماد
¬_________
(¬1) أقول: قال الإمام الشعراني في ميزانه: إن تمسكات الإمام الأعظم بالأحاديث، والأحاديث أكثر من باقي الأئمة الثلاثة، كما يظهر لمن طالع كتابي المسمى بكشف الغمة إلى الحادي لأدلته للمذاهب الأربعة - انتهى.
(¬2) قال في الخيرات الحسان: إن كثرة الرواية بدون رواية ليس فيه كثير مدح بل عقد له ابن عبد البر باباً في ذمه، ثم قال: الذي عليه فقهاء جماعة المسلمين وعلمائهم ذم الإكثار من الحديث بدون تفقه ولا تدبر، وقال ابن شبرقة: أقل الرواية تفقه ...

الصفحة 9