كتاب الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية (اسم الجزء: 1)

وإنما خوف من نقص يصيبه في نفسه أو أهله أو ماله فإنه مرتكب لإثم عظيم وذنب كبير وتلك هي أعذار المنافقين قال تعالى: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [الفتح: 11] وهذا هو النفاق المحض (¬1) مع أن مقتضى الإيمان الصحيح أن لا يخشوا أحدا غير الله، ولذلك قال في آخر الآية المتقدمة (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا) فالذين يعتزلون شعائر الإسلام والجماعة المسلمة، خوفا وتحسبا لنقص يصيبهم في أنفسهم أو أموالهم أو أهليهم، فهم مفضلون للدنيا على الآخرة وهم حينئذ داخلون تحت قول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ) [النحل: 107].
وقوله: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ) [إبراهيم: 3] فلو كان هناك طريق للجهاد لا يخسر فيه الإنسان قطرة من دمه ولا درهما من ماله، ولا يفارق فيه أهلا ولا ولدا، لتسابق إليه المنافقون، ولما تحمل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبعة التضحية بالمال والنفس والأهل في سبيل الله مع وجود ما يقوم مقام ذلك، فإذا كان التخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة واحدة موجب لوصف هؤلاء المتخلفين بالنفاق كما في قوله تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [التوبة: 81، 82] فإذا كان هؤلاء سينالهم العذاب بتخلفهم عن معركة واحدة فما ظنك بمن يقف موقف المتفرج في صراع الحق مع الباطل بصفة
¬__________
(¬1) انظر تفسير القرطبي (16/ 268).

الصفحة 409