كتاب الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية (اسم الجزء: 1)

قال تعالى: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44].
وقد يقول قائل لماذا إذًا نرى بعض العلماء والمفكرين يتغاضون عن كثير من المنكرات والمحرمات في بلادهم ويتجاهلون وجودها؟ ألا يعني ذلك خوفهم من صاحب السلطان وبطشه؟
والجواب على ذلك في رأيي أنه ليس كل من رأى منكرا وسكت عنه يكون راضيا به أو خائفا من أن ينكره، ولكن قد يكون الإنكار في بعض الأحوال ليس هو الأصلح للدعوة والدعاة إلى الله وإن كان الإنكار بصفة عامة أمرا صالحا، وذلك راجع إلى طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه المسلم فقد يعيش المسلم في مجتمع ملتزم بالإسلام وفي هذه الحال يكفي أن يجهر بإنكار المنكر فيجد من السلطة والمجتمع العون الكامل لتغيير هذا المنكر وإزالته، وقد يكون المسلم في مجتمع أفراده مسلمون وسلطته كافرة، وفي هذا الحال يتوجه بالإنكار والدعوة إلى المجتمع لأن السلطة ليست مستعدة للاستجابة إلا بمنطق القوة، والقوة ليست متوفرة بأيدي الدعاة في كل الظروف.
وقد يكون المسلم في مجتمع كافر، بدولته وأفراده وفي مثل هذه الحال ليس من الحكمة الوقوف في وجه المجتمع كله وهو قطرة في بحر.
ففي مثل هذه الحال يلجأ إلى الدعوة الخاصة عن طريق الاتصال بالأفراد وربما بسرية تامة كما فعل نوح عليه السلام مع قومه وكما فعل نبينا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - في مكة حيث أمضى ثلاث سنوات يدعو الناس سرًا وتلك الأساليب في الدعوة هي من الحكمة التي أمرنا الله بها في قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ

الصفحة 412