كتاب الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية (اسم الجزء: 1)

ومع أن الحق خلاف ما توهموه، حيث إن الواجب هو الجمع بين تأدية شعائر التعبد، مع الجهاد مع الجماعة المسلمة لنصرة هذا الدين بالقول والفعل، وهذا ما فهمه العالم المجاهد عبد الله بن المبارك (¬1) رحمه الله حيث كان يحج سنة ويجاهد أخرى حتى توفي وهو في درب الجهاد، وكان هذا العالم الجليل صديقا للفضيل بن عياض (¬2) وكان الفضيل منقطعا للعبادة في أشرف مكان وهو المسجد الحرام، فكتب عبد الله بن المبارك رسالة وقصيدة إلى أخيه الفضيل بن عياض يقول في بعض أبياتها:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل الله في ... أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميت لا يكذب (¬3)

لقد كتب ابن المبارك هذا الكلام في وقت لم يكن الجهاد فيه فرض عين كما هو الحال حيث يستبيح اليهود والنصارى والشيوعيون معظم البلاد الإسلامية، وقد وصف ابن المبارك انقطاع صديقه لنوافل العبادات بأنها لعب وهي عبادة تقع في أشرف بقعة على هذه الأرض، ترى ماذا يقول ابن المبارك عن أدعياء العلم الذين يفتون بمصالحة اليهود على مقدسات المسلمين والذين يركعون تحت أقدام الطغاة المستبدين؟ رحم الله العلماء العامملين الذين لا يبررون أخطاءهم وأخطاء حكام السوء في عصرهم بمبررات واهية، تبيح لهم ترك الجهاد، وتبرر للطغاة المجرمين البطش والتنكيل بأهل الحق والرشاد.
¬__________
(¬1) انظر ترجمته ص (251) من هذه الرسالة.
(¬2) انظر ترجمته ص (144) من هذه الرسالة.
(¬3) انظر الإسلام بين العلماء والحكام للبدري ص (229)، وانظر تذكرة الدعاة لبهي الهولي ص (212)

الصفحة 418